رياض درار
الأب العروبي حين يلقن الأبناء أصول الدين والسياسة

رغم أن السجن، وقراءة مفكري المغرب العربي ومصر ما بعد العروبيين، أتاحا لرياض درار بعض تجسير الهوة بين شخصية الخطيب التي كانها في مدينته دير الزور، بجامع العرفي الذي كان تحت وصاية مستشار بشار الأسد للشؤون الإيرانية حيدر العرفي، وشخصية السياسي العلماني الذي يحاول المشاركة في العمل المدني والدفاع عن حقوق الإنسان؛ لكن الشخصية الوصائية الموروثة والمعززة ناصرياً لن تتركه وشأنه.

فرياض، المولود عام 1954، والذي زار مصر حين كان طالباً في كلية الآداب بدمشق واحتفظ من تلك الزيارة بصورة له مع المفكر عصمت سيف الدولة، ظلت معلقة في بيته حتى بداية الثورة؛ سيظل وفياً لناصريته تنظيمياً في الوحدويين الاشتراكيين حتى وقت طويل، وعقلياً حتى الآن.

بعد أن عاد الأستاذ من رحلة تدريس ودراسة في السعودية تقرب من جماعة زيد في دمشق، وحضر دروساً لجودت سعيد، وعمل في تحفيظ القرآن في دير الزور، إلى جانب عمله في الخطابة حتى مطلع القرن الحالي، حين بدأ يتقرب من الخزنوية في القامشلي، والتي ستمنحه، على ما اعتقد، ميزة كونه شيخاً عربياً يدافع عن حقوق الأكراد، كما نقل مقربون منه. لكن ذلك لم يؤهله للمشاركة في لجان إحياء المجتمع المدني، ما دفعه إلى إقناع نواف البشير بالاتجاه نحو المعارضة، والتجهيز لمؤتمرها المعروف في دير الزور عام 2005، الذي تولى السياسي المبتدئ رياض تنظيمه رغم اعتراض حزب الشعب، إلى جانب التحضير لتأسيس حزب المستقبل العربي الذي شارك في المؤتمر، وتبنى حينها رفض الفيدرالية، التي اكتشف فيها مؤامرة أميركية كردية لإقامة دولة للأكراد، ما قربه وقتها من حزب تيار المستقبل الكردي برئاسة مشعل تمو، بينما يتطلع درار اليوم إلى النظام الفيدرالي «كشرط لتحقيق الوحدة في سوريا».

يبدو مجانياً اعتقاله لأربع سنوات ونصف بسبب التهمة التي وجهها للـ«أوباش» بقتل الشيخ معشوق الخزنوي، كمجانية استقالته أو إبعاده عن هيئة التنسيق بسبب لايك وضعه على منشور ينتقد هيثم مناع، بعد أن أخرجته مظاهرات مدينته من العزلة التي كان يعيشها في مكتبة القرطاسية التي افتتحها بعد السجن، ليدعوه لؤي حسين إلى مؤتمر سميراميس، ويعود بعدها إلى الواجهة بمبادراته المنفردة في دير الزور، وتوجهه مع أربع شخصيات محلية لمقابلة آصف شوكت عند اقتحام الجيش المدينة في 2011، وقد تغير كثيراً بعدها إذ رأى أن النظام يحسب حساباً كبيراً للثورة. لكن الأستاذ رياض، الذي ترك المدينة منتصف 2012 باتجاه القامشلي، كان ما زال يرى ضرورة التفاوض مع إيران لأنها «دولة عظمى!».

ومن دمشق إلى القاهرة ثم إلى طلب اللجوء صار لدى الشيخ رياض ما يفعله في المؤتمرات، كداعية متنور يعيش من مردود تردده إليها، ليرسل الراتب الذي يتلقاه من حكومة النمسا إلى عائلته في أورفا التركية. وباستثناء دفاعه التشبيحي عن الائتلاف في نهاية 2013، حين اتهم من يهاجمه في الداخل أو الخارج بالعمالة للنظام، فإنه ظل كارهاً له ومعرِّضاً بمواقفه. أما أبناء بلده (أخوة بطة، كما خاطبهم على الفيسبوك) الذين كان يحثهم على مقاومة النظام وقتها، فيرى فيهم اليوم مجرد «عوام» وأصوات لا فعل لها، بعد أن أصبح الرئيس المشترك لمجلس سوريا الديمقراطية، والمروج العربي لقوات سوريا الديمقراطية، التي يرى فيها طليعة المجتمع وتمثيله الحاد، ومكونها الأساسي، كما هو معروف، وحدات الحماية الكردية المتهمة من منظمة العفو الدولية بارتكاب جرائم حرب ضد المدنيين.

ورغم أن ما يسميه نظرية، أو نتفه الانتقائية من محمد عمارة ومحمد أركون ونصر حامد أبو زيد وراشد الغنوشي وغيرهم، حول العلمانية الإجرائية و«أنتم أعلم بشؤون دنياكم» و«إنما أنت مذكر» و«لا كهنوت في الإسلام» و«صحيفة المدينة» و«الشورى والمقاصد»؛ تظهره بمظهر المفكر والسياسي السلمي، إلا أنه كثيراً ما كان يوجه النصائح والتكتيكات العسكرية للفصائل المقاتلة في مدينته، على صفحته الشخصية في الفيسبوك. وفي حين يوجه نداءات من أجل تجديد ديني (وليس إصلاح) ويرفض الإسلام السياسي الذي يعيده إلى تأثير إنكليزي في الهند، فإنه يعتقد أن «الوحشية التي رافقت الحرب الأهلية في سوريا لم تكن مفاجأة، فهي امتداد لتاريخ طويل يربطها بتاريخ شهد قتل عمر وعلي وعثمان والحسين!». وبالإضافة إلى ممارسة الإفتاء على صفحته في الفيسبوك، حين يتطلب الأمر، فإنه لا يترك مناسبة إلا ويصرح فيها، بالعقل الخطابي الذي ينتقده، أن العلمانية متضمنة في الإسلام، وأن النهضة الأوربية حدثت بسهولة لأنه ليس لديهم فقه ولا فقهاء.

يظهر الشيخ الأستاذ رياض اليوم بعباءة كبيرة عليه، لكنها لافتة للأنظار، ليحرّم الإسلام السياسي بفتاوى إسلام سياسي مركب على عجل، يروّج أنه مبتكره، ويمضي في دوره بتلوين العلم الأصفر، وباحتكار قضية الأكراد السورية، متهماً جميع السوريين بالتآمر ضدها.