دير الزّور كانت لوحدها بالفعل

أيام قليلة، وربّما ساعات، تفصلنا عن إكمال قوّات النّظام اجتياحها لجزيرة «حويجة كاطع» في نهر الفرات، بعد أن أتمّت احتلال أحياء مدينة دير الزّور. هرب أمامها من استطاع من المدنيّين من حيٍّ إلى آخر، قبل أن يعبروا فرْعاً من النّهر إلى «الحويجة» بقوارب سرعان ما دمّرتها قذائف النّظام. كان أمل المدنيّين أن يستأنفوا من الحويجة رحلة فرارهم إلى الضّفّة الثّانية من النّهر، حيث كانت تخضع لسيطرة (قسد) التي انسحبت فجأة لتُتيح للنّظام إحكام حصاره على العالقين في الحويجة من كل الجهات.

سلوك النّظام وإصراره الوحشي على قطع سبل النّجاة أمام المحاصرين غير مفاجئ، ولا كانت مفاجئة غارات الطّيران ولا قذائف المدفعيّة والدبّابات. خذلان المجتمع الدّولي والتّحالف الّذي يتمركز أتباعه على مرمى حجر من المحاصرين، ليس مفاجئاً أيضاً، فمن سكت على أنواع الإبادة المختلفة بحقّ السّوريين خلال السّنوات السّابقة، سيسكُت عن حادثة «صغيرة» بالنسبة إليه مثل فتك النّظام بالمحاصرين. كان المفاجئ هي البلادة التي أبدتها المعارضة السّوريّة، ممثّلة بائتلافها وهيئاتها وشخصيّات قادتها، نحو وقائع المذبحة المعلنة في الحويجة، التي طالت وستطال (180) طفلاً وامرأة وشيخاً لم يبق أمامهم سوى الاستسلام لقوّات النّظام والمضيِّ لمصير معلوم، إعداماً فوريّاً يشبع نزعات التّوحّش في أنفس جنود الأسد، أو قتلاً بطيئاََ في معتقلاته، وبعد أن تصوّرهم تلفزيوناته على أنّهم المدنيّون الذين أنقذهم الجيش من قبضة داعش، كما حدث مؤخّراً في حالات كثيرة.

استجابة إعلام الثّورة وناشطيه من المحافظات السّوريّة الأخرى لمأساة الحويجة جاءت خجولة، واقتصرت المشاركة في الحملات الإعلاميّة التي أطلقها أبناء دير الزّور عليهم فقط، مع استثناءات متفرّقة كان بعضها رفعاً للعتب. ربّما كان الإحساس بالعجز ولا جدوى محاولات الإنقاذ سبباً يفسّر محدوديّة تلك الاستجابة. غير أنّ سبباً آخر لعلّه يفسّر ذلك، هو الاعتياد على الموت إلى درجة استنزفت فيها القدرة على التّضامن لدى البعض منّا، كثوّار وجمهور ثورة على الأقل. وعليه تصير صرخات المنكوبين، إذا لم يكونوا قريبين جدّاً منّا، أو إذا لم تمسّنا نكبتهم مباشرة، بلا وقع يُرتجى ولا تأثير.