- Home
- مقالات
- رادار المدينة
درعا بين طموحات اللاعبين وأدواتهم
تعيش محافظة درعا، التي انطلقت منها شرارة الثورة السورية، مرحلة ترقّب مصير غير واضح المعالم، بعد ترويج النظام لإبرام اتفاقات مصالحة في مدن وبلدات بالمحافظة، تزامن مع تهديدات روسية بأن المنطقة ستلاقي مصير الغوطة الشرقية في حال عدم الموافقة على هذه المصالحات.
من الصعب عزل ما يحدث في الجنوب السوري عن استراتيجية الأطراف التي تتدخل بشكل مباشر، أو غير مباشر، لرسم خارطته بما يتوافق مستقبلاً مع أجنداتها. ويُعتبر النظام وحلفاؤه والأردن و«إسرائيل» الأطراف الرئيسية التي تتدخل في المنطقة، بحيث يتمثل وجود النظام في سيطرته على بعض المدن والبلدات وتمركز قواته في بعض القطع العسكرية، ومن خلال بعض العملاء ولجان المصالحة بالمناطق المحررة، فيما يتمثل تدخّل الأردن في وجود الفصائل العسكرية التابعة لغرفة الموك، ومن خلال بعض المنظمات، أما «إسرائيل» فعملت على بناء علاقات مع بعض الفصائل المتمركزة قرب الجولان المحتل عن طريق تقديم الدعم الإغاثي والطبي، إضافة إلى مراقبة ومسح المنطقة بشكل كامل والتدخل العسكري في بعض الأحيان.
على أن أدوات الأطراف مازالت غير فاعلة قياساً بالأهداف المُعلنة والمُضمرة. فمازال النظام يعتمد، حتى الآن، على نشر إشاعات حول نيته اقتحام المناطق المحررة عقب انتهاء اتفاق خفض التصعيد، مخيراً الأهالي بين الحل العسكري أو المصالحة، إلا أن أيّاً من هذه الإشاعات لم تتحقق، لأنه، على مايبدو، لا يملك اتخاذ أي قرار في المنطقة الجنوبية لخصوصية موقعها الجغرافي/السياسي، ولأن أي عمل عسكري يعني حرب استنزاف، ونقل الفوضى إلى الحدود الأردنية و«الإسرائيلية».
نشرُ الإشاعات جاء بالتوازي مع اختراق صفوف الفصائل العسكرية لإجبارها على اختيار المصالحات، عبر عملاء للنظام وميليشياته أو خلايا نائمة بين الحين والآخر، كان آخرها خلية تابعة لميليشيا حزب الله في مدينة جاسم شمالي درعا، قيل إنها تُحضّر لاستهداف «إسرائيل» والأردن بالصواريخ، وهي تطبيق لسياسة النظام في تهديد أمن المنطقة تماشياً مع التصريحات التي كان يُطلقها بهدف إثارة الفوضى والعبث بالرأي العالمي.
يقول أبو بكر الحسن الناطق باسم جيش الثورة التابع للجيش الحر، إن «النظام اعتمد على أشخاص محسوبين عليه في المناطق المحررة لترويج فكرة المصالحات، التي قوبلت بالرفض من قبل المؤسسات الثورية، ما أدى إلى فشل ما وصفه بـ «المخطط الخبيث». مُعتبراً أن المعطيات الحالية تُشير إلى أن المنطقة ستبقى من أبرز معاقل الثورة السورية، لوجود عوامل الصمود، من الحدود مع دول الجوار إلى تجهيزات لوجستية مُساعدة كعشرات المشافي المجهزة».
بينما تلجأ روسيا بتهديداتها إلى الحرب النفسية للتأثير على الرأي العام المحلّي في درعا، لمعرفتها أنها غير قادرة على تدمير منطقة حوران كما فعلت في الغوطة الشرقية لوجود عدة أطراف مؤثرة في المنطقة، فضلاً عن الحدود التي تملكها حوران مع الأردن، كما يرى (الحسن)، فروسيا «لن تُغير شيئاً على الأرض، بعد أن اختبرت ثبات ثوار حوران في معركة «الموت ولا المذلة» بحي المنشية بدرعا، ولم تتقدم لمتر واحد». مرجحاً أن يكون لدول الجوار في درعا دور في تحجيم تدخل روسيا، فالأمر عبارة عن «توزان مصالح في المنطقة».
وتخضع المعارضة في الجنوب لإملاءات الولايات المتحدة، التي تحمي المصالح الإسرائيلية وتمثل خط الدفاع عنها، رغم توقف دعم «الموك»، حسب القيادي في الجيش الحر «أبو العباس»، الذي اعتبر أن أمريكا و«إسرائيل» لن تسمحا برسم خريطة لسوريا بشكل عام، وللجنوب بشكل خاص، إلا إذا كانتا موافقتين عليها، فيما تتماهى الأردن مع سياسة الدولتين.
وحسب قائد فرقة الحق التابعة للجيش الحر إبراهيم الغوراني، فالأردن يسعى إلى التوصل لحلّ سياسي يُرضي جميع السوريين، ويضمن إعادة اللاجئين والنازحين إلى ديارهم، بينما الهمّ الرئيسي لـ «إسرائيل» هو الحفاظ على حدود الجولان المحتل، بعيداً عن تواجد الميليشيات الإيرانية وحزب الله.
أما الدور الأمريكي في المنطقة فيظهر أنه يخضع لمراجعات وإعادة ترتيب، رغم أن «الولايات المتحدة هي ضامن المعارضة السورية في الجنوب، تُراقب مجريات الأحداث الجارية عن كثب دون تحريك ساكن، إلا مطالبة الفصائل التحلي بضبط النفس والتقيد باتفاق خفض التصعيد والرد على الخروقات فقط» كما يقول «الغوراني»، الذي يؤكد أن هدفهم التخلص من تنظيم «داعش» والمتمثل بـ «جيش خالد بن الوليد» في منطقة حوض اليرموك، رغم توقف الدعم عن الجبهة الجنوبية منذ نحو خمسة أشهر، ما جعل الثقة بالولايات المتحدة تتراجع.
لكن من غير الواضح مدى صدق الجانب الأمريكي في الحفاظ على اتفاق خفض التصعيد، إلا أن الحدود مع الأردن والجولان المحتل الهاجس الأكبر له، كما يشرح محمد عدنان الإعلامي في (جيش العشائر)، إذ يحاول إبقاء الهدوء سيد الموقف.
يبدو أن جميع الأطراف تسعى إلى إضعاف منطقة الجنوب، من خلال إطالة أمد الصراع بين فصائل الجيش الحر والنظام من جهة، والحر مرة أخرى و«جيش خالد» من جهة أخرى، وعدم التمكين من حسمه إلى الآن، فبعد أن سيطرت الفصائل على مساحات واسعة في درعا والقنيطرة، تسود المنطقة الآن حالة من شبه الهدوء منذ نحو عامين، تتخلله تشنجات موضعية دون أن تظهر أي علامات للمستقبل الذي ينتظر المنطقة.