خطّة التحوّل الديمقراطي في سوريا

عمرو السراج باحث في المركــــز الســـــوري للدراســات السياسية والاستراتيجية300

عمرو السراج
باحث في المركــــز الســـــوري للدراســات السياسية والاستراتيجية

قبل نحـو شهرين أعلنت المعارضة السورية عن رؤيةٍ تفصيليةٍ شاملةٍ للمرحلة الانتقالية في سوريا بعد انتهاء الصراع الدائر في البلاد، والذي اشتعل إثر اندلاع الثورة السورية في منتصف آذار من عام 2011. وقد شارك في إعداد تلك الخطة أكثر من 300 شخصية سورية من خبراء وباحثين سياسيين واقتصاديين وحقوقيين وقضاة ومحامين ورجال أعمال وعلماء دين وفنانين وأدباء ومنشقين دبلوماسيين وعسكريين، إلى جانب مجموعةٍ من أعضاء القوى السياسية المعارضة، وعلى رأسها الائتلاف الوطني. وقد تم إعدادها بمبادرةٍ من بيت الخبرة السوري وإشراف المركز السوري للدراســات السياسية والاستراتيجية. وقــــــد تم إعـــــداد هذه الرؤيـــة بحيث تكون قابلة للتطبيق مهما كان شكل نهاية الصراع في سوريا، إذ ستقوم الحكومة الانتقالية، التي سيتم تشكيلها فور سقوط النظام أو إثر توافق المعارضة مع النظام على حلٍ سياسي، بتسيير أمور الدولة في المرحلة الانتقالية الأولى؛ إذ اعتبرت الخطة أولى مهام الحكومة أن تحقق الشرعية الدستورية من خلال تعليق العمل بدستور عام 2012 والعودة إلى دستور 1950 بشكل مؤقت، كونه الدستور الوحيد الصادر عن إرادة شعبية سورية حقيقية،

إلى جانب إصدار إعلــانٍ دســـــتوريٍ مكمّـــــلٍ له، يبــين صلاحيات ومهــام تلك الـــحكومة الانتــقاليـة وجدولها الزمني وموعد الانتخابات التـــــــأسيسـية القادمة. وبحسب الخطــــة فإن على الحـكومة الانتقالـية أن تشــكّل هـــيئة مستـقلة عامة للانتخابات خلال ثلاثة أشهر من قيامهــا، لتشرع الهيئــة بإعــــداد قانونٍ للانتخابات بالتعــاون مع القــوى السياسية المختلفــة، على أن يصدر قانونا الانتخاب والأحزاب خلال مدةٍ لا تتجاوز ستة أشهر من تاريخ تشكيل الهيئة، ثم تقام الانتخابات التأسيسية بعد ستة أشهرٍ من تاريخ إصدار القانونين. وفيما يتعلق بالدستور فإن الخطة اعتمدت أن تتم صياغة الدستور من قبل جمعيةٍ تأسيسيةٍ يتم انتخابها شعبياً، وتناط بها مهماتٌ أخرى، كتشكيل حكومةٍ مؤقتةٍ وإصدار التشريعات. وتتكـــــون الجمعيــــــــة من 290 عضواً، بحسب الخطة التي وضعت نظاماً انتخابياً جديداً لتشكيل تلك الجمعية يعتمد النظام النسبي في احتساب النتائج من خلال قوائم انتخابية مفتوحة. ويتميز النظام النسبي بأنه يترجم عدد الأصوات الممنوحة إلى مقاعد برلمانية بشكلٍ يضمن مشاركة أكبر شريحةٍ سياسيةٍ ممكنة. كمـــــا ضمن النظام الانتخابـــــــــي مشاركة حقيقيـــــــة لكلا الجنسين، فقد منح كليهما ثلث المقاعد على الأقل، كما حدد نسبة من المقاعد لذوي الاحتياجات الخاصة. وقد قسم النظام المقترح الدوائر الانتخابية إلى 32 دائرة بدلاً من 15. ودعت الخطة إلى تحويل النظام السياسي في سوريا إلى نظام برلماني، يكون منصب الرئيس فيه فخرياً، كي تسمح المشاركة المتنوعة لمختلف الفصائل والتيارات السياسية في صنع القرار، من خلال مشاركتها داخل البرلمان، برفع مستوى الحياة السياسية، ونقل الخلافات بين الفصائل المختلفة من الشارع إلى تحت قبة البرلمان. وعالجت الخطة ملف القضاء السوري، بوضعها آلياتٍ محددةٍ لجعل القضاء سلطة مستقلة ثالثة حقيقية، لا مؤسسة خاضعة للابتزاز والفساد. وقد اقترحت الخطة إعداد قانونٍ جديدٍ للسلطة القضائية يضمن نزاهتها واستقلاليتها. كما شمـــــلت الخـــــطة الإصلاح القانوني من خلال تحديد عدد من القوانين السارية التي يجب إيقاف العمل بها فور تسلم الحكومة الانتقالية لمهامها، من خلال مراسيم تصدر بأسرع وقت. وخصّصت الخطة جزءاً كبيراً منها لملف العدالة الانتقالية في سوريا، فبعد دراسة تجارب عشرات الدول في معالجتها لهذا الملف وضعت الخطة برنامجاً متكاملاً يشمل خمس خطوات رئيسية يتم تنفيذها من خلال عدد من الخطط والآليات؛ وهذه الخطوات هي: معرفة الحقيقة والتعويضات والمحاسبة وإصلاح المؤسسات وإحياء الذكرى. وقد رسمـــــــت الخطة هيكلية جديدة للنظام الأمني في سوريا المستقبل، بحيث تنحصر مهام الأمن بمؤسستين رئيسيتين؛ الأولى هي جهاز الأمن الوطني، وهو جهاز مدني محترف يتبع لرئيس الوزراء، أما الثانية فهي مديرية قوى لأمن الداخلي. كما استحدثت الخطة مجلس الأمن الوطني الأعلى الذي يرأسه رئيس الوزراء ويضم وزيري الداخلية والدفاع وقائد الجيش ورئيس جهاز الأمن الوطني ومدير قوى الأمن الداخلي. كما تشمل الخطة تشكيل لجان تطهيرٍ وتدقيقٍ لدراسة ملفات عناصر الأمن في المراحل السابقة. ونصّت الخطة على تشكيل جيشٍ وطنيٍّ حديثٍ تكون عقيدته القتالية عقيدةً وطنيةً تجعل حماية الوطن والمواطن هي المعيار. كما وضعت الخطة برنامجاً متكاملاً يعنى بنزع السلاح المنتشر في كافة أرجاء الدولة السورية ومن ثم دمج عناصر الكتائب الثورية المسلحة في الجيش الوطني الجديد. وقد وضعت الخطة رؤيةً جديدةً للنظام الاقتصادي في سوريا ليكون أكثر تحرراً من قيود الدولة وأصحاب المصالح والمتنفذين فيها. وبحسب الخطة فإن هذه الرؤية الجديدة، بالآليات المقترحة، ستؤدي إلى تطوير البيئة الاستثمارية في سوريا ورفع مستوى معيشة المواطنين وتحقيق الهدف الأسمى؛ وهو سوريا 2040 واحدة من أهم الدول الاقتصادية في المنطقة والعالم.