خالد، قصة طفل سوري نازح

خالد بعدسة الكاتب

خليفة الخضر - ريف حلب الشمالي

عند حاجز لأحد فصائل الجيش السوري الحر بريف حلب الشرقي، يعرف بحاجز عون الدادات، على اسم القرية التي يتقاسم السيطرة عليها الجيش الحر وقوات سورية الديمقراطية؛ يجتمع النازحون القادمون من محافظة الرقة في ساحة ترابية. وبعد تأكد عناصر الحاجز من هوية القادمين ووجهتهم تنطلق سيارات النازحين إلى ريف حلب الشمالي والشرقي، فمنهم من تنتهي رحلته في مدينة جرابلس وآخرون في بلدة الراعي، بحسب توزع المخيمات والأعداد فيها، ومنهم من تنتشله صلة قرابة نظراً لتكوين المنطقة العشائري.

أما عائلة خالد فقد انتهى بها المطاف في مخيم الجديدة على أطراف مدينة اعزاز شمالي حلب.

الطفل الأسمر النحيل، ذو الرابعة عشرة، لم يدخل المدرسة. أخ لثلاثة أطفال هو أكبرهم، يتقاسمون خيمة بناها والده عن خبرة اكتسبها من كثرت مرات النزوح شمال سورية، كما قال الأب.

لم تشارك عائلة خالد في الثورة. هم من قرية جوخة على بعد 10 كيلومتر جنوب مدينة السفيرة. لكنهم، وفقاً لما قال الوالد، اضطروا إلى النزوح وأخذ من متاع منزلهم ما يحمله صندوق الموتور، بعدما سمع والده أن ميليشيا حزب الله اللبناني أعدمت 210 مدنياً في قرية رسم النفل المجاورة ورميهم في بئر، بعدما استقبل الأهالي قوات النظام وميليشيا الحزب. بعد سماع الخبر هرب أبو خالد وعائلته، التي كانت آنذاك خالداً وأمه وطفلاً آخر، وكانت الوجهة ريف حلب الشرقي حيث المناطق الزراعية وفرص عمل العائلة في الحصاد. لم يعرف خالد ما حصل في قرية رسم النفل فقد أخفاه عنه والده، كما قال الأخير.

ولا يتذكر خالد من قرية الجوخة إلا كلبه الصغير حازم، وهو اسم بائع القرية المتجول الذي كان لا يبيعهم بسبب فقرهم.

استقرت العائلة في مسكنة شرقي حلب، يوم كانت المدينة تحت سيطرة داعش. عمل كل من خالد ووالده في حصاد المحاصيل. ولم يرتح بال خالد حتى جلب والده له جرواً صغيراً أطلق عليه اسم فادي، على اسم صاحب الأرض التي يعملون فيها، نظراً لجشعه وسوء تعامله مع والده وأمه.

لا أصدقاء لخالد إلا أخوته الصغار وكلبه. كان يغسله في مياه الساقية وينشفه ويمشط فروه ويشعل له النار في الشتاء، لكنه يتركه في المنزل عندما يذهب للتبضع كي لا يراه عناصر جهاز الحسبة.

ما إن أعلنت قوات النظام والمليشيات الشيعية الرديفة له معركة السيطرة على مدينة مسكنة (أيار 2017) حتى هرعت العائلة إلى الفرار خوفاً من مصير يشابه مصير جيرانهم في رسم النفل، حدث حُفِر في ذاكرة أبو خالد: «وكل أهالي المنطقة صار يجيهم الخوف بالحلم»، كما يقول.

سارع خالد إلى لف كلبه بحرام في صندوق السيارة، ووضع فوقه بعض الأمتعة كي لا يراه عناصر التنظيم.

كانت الوجهة ريف محافظة الرقة الآمن نسبياً من القصف ومن سيطرة قوات النظام، ليكون النزوح الثالث لخالد وعائلته. حطت بهم الرحال شمال الرقة، ولكنهم لم يستطيعوا العمل في الأراضي الزراعية كما في السابق إذ اعتبرتهم قوات سورية الديمقراطية، المسيطرة على الريف الرقي حديثاً، نازحين وعليهم الإقامة في مخيم مخصص للنازحين هو مخيم عين عيسى.

ربط خالد كلبه على طرف المخيم، وفي كل صباح كان يذهب ويترك له جزءاً من الطعام المقدم لهم ويعود إلى الخيمة.

يئس أبو خالد من إقناع إدارة المخيم بالسماح له بالعمل خارجاً: «أخبرتهم بضرورة العمل. قلت لهم لا أستطيع النوم وأمامي حقول على مد بصري لم يتم حصادها، لكنهم رفضوا وخوّفوني من احتمال وجود ألغام زرعها التنظيم في الأراضي»، يقول أبو خالد.

استطاعت العائلة أخيراً الخروج من المخيم والتوجه إلى ريف حلب الشمالي حيث يوجد عمل وبدون كفيل كردي، كما قال أبو خالد، لكنهم لم يستطيعوا جلب الكلب معهم في السيارة التي لم يقبل سائقها بعدما شاهده في حضن الولد، وظل الكلب مربوطاً على طرف المخيم. يقول خالد بعد صمت دام طيلة مدة وجودنا مع عائلته: «أريد أرجع أجيبه وأجي».

بعد يأسه من العودة إلى مخيم عين عيسى، فمعارك الرقة لا تزال مستمرة ولم تستقر السيطرة لأي جهة بشكل كامل، قنع خالد بجرو ضال وجده على أطراف مدينة اعزاز، وبنى لجروه الجديد بيتاً يقيه حر الشمس من جذع زيتون وحصيرة مهترئة وإطارات سيارات جعل منها حيطان بيت الجرو الذي لم يطلق عليه أي اسم بعد.