حين تلهم داعش السفهاء

«شهادة حية.. سجون سرية وتهم جاهزة
في قبضة التطرف.. سوريات يتحولن إلى سبايا في دير الزور
»

هذا عنوان ما كتبته سيرين عبد النور في جريدة عنب بلدي  عن سبي داعش -وقبلها فصائل أخرى- لنساءٍ سورياتٍ في دير الزور. العنوان مثيرٌ حقاً، لكنه طائشٌ طيش ما سيليه، لأن ما كتبته عبد النور لم يكن شهادة، حيةً كانت أو ميتة، بل محض اختلاطٍ يجمع النسوية المفرطة مع انزياحٍ متعدد الأنواع: في المكان من العراق إلى سورية، وفي الزمان من ما بعد داعش إلى ما قبلها، فضلاً عن انزياحاتٍ أخرى بين الحقيقة والتوهم.
ولعله ضربٌ من خيالٍ يهبط بالمتخيلة حتى القاع لتكتب «يبدو الأمر معمماً على نساء دير الزور والمناطق التي يسيطر عليها التنظيم». هكذا... بجملةٍ واحدةٍ سبيت ملايين النسوة اللاتي أشار إليهن التعميم مستنداً إلى «ناشطي دير الزور» الذين كشفوا -ولأول مرّةٍ- لعبد النور «الأمر»، متوحدين في كتلةٍ صلبةٍ واحدةٍ وعلى قلب أجرأ ناشطٍ منهم، دون أن يسرّب أيٌّ منهم «الأمر» قبل ذلك، أو يلمح عن هذا السبق السريّ! وبالإضافة إلى كتلة الناشطين الموحدة عثرت عبد النور على سلسلةٍ متكاملةٍ من الشهود المعنيين بقضايا سبي السوريات؛ من ضحايا وأقارب لهنّ وممرّضين وباحثين اجتماعيين ومقاتلين سابقين في الجيش الحرّ وغيرهم من شهود العيان الذين انتشروا في كلّ مكان، ولم يغمض لهم جفنٌ قبل أن يبلّغوا الأمانة لعبد النور وتُكشف مظلمةٌ كبرى في دير الزور لم يجرؤ على الكلام عنها، ولو إشاعة، أحد.
أما أظرف من في فريق عبد النور المزعوم فهو نازحٌ شابٌّ أطلقت عليه اسم رامز، شرب حليب السباع ليكشف سراً عبودياً آخر في دير الزور، ينتزع فيه براءة اختراع السبي من تنظيم داعش، إذ لم تكن أول من استعبد المرأة السورية هناك، بل سبقتها فصائل وتشكيلاتٌ أخرى، إذ يقول رامز، أو تقول عنه عبد النور: «معظم الفصائل المسلحة سواء في المدينة أو الريف، تمتلك سجوناً سرية، ومن بينها الهيئة الشرعية وجبهة النصرة». وحسب كلامه فـ«إن مدينة دير الزور، كانت تضم أكثر من عشر سجون تابعة لفصائل مختلفة، مضيفاً أن معظم المعتقلات كن يعاملن كالسبايا لدى الفصائل».
وعلى الرغم من تقديمه كـ«جيش حر» تفترض فيه الشجاعة، تأخر أبو خالد، ممثل العسكر في نادي عبد النور، في الإدلاء بشهادته بخصوص السوريات المسبيّات لدى جبهة النصرة، اللاتي تحولن إلى غنيمةٍ من بين غنائم أخرى مثل السيارات ومولدات الكهرباء والسلاح، انتزعتها داعش وقت احتلالها دير الزور. أما من قطاع الصحة فجاءت الممرضة عبير لتتحدث بمهنيةٍ قليلاً، قبل أن تسبح بها عبد النور وتنسج على لسانها حكاياتٍ من أجواء ألف ليلة وليلة عن سبايا سورياتٍ دائمات التعرّي والطواف على الدواعش غير المهتمين بالتمييز بين الجامعية منهنّ وغير الجامعية.
ولا بد من وقفةٍ مع العلوم، في هذه الملحمة، تتوقفها عبد النور مع باحثٍ اجتماعيٍّ منحته هو الآخر اسماً يبدو حركياً أيضاً، إذ لم يعثر محرك البحث غوغل على هذا الباحث (طه الطه) الذي حلق إلى بعدٍ جديد، إذ كشف أو كشفت به سيرين مظلومية السبايا السوريات في الإعلام، كما كشفت أيضاً خصلةً جديدةً من خصال تنظيم داعش هي إنسانيته نحو سباياه، إذ «لم يميز بينهن لا في العرق ولا الدين ولا اللغة». والغريب أن تتساءل عبد النور ويتساءل «ناشطوها» عن شروط المحاكمة العادلة وحقّ الدفاع عن النفس لدى قضاة داعش، مضرب المثل في الظلم والوحشية والاستعباد.
هو تمرينٌ متعثرٌ على الصحافة الصفراء إذاً، فشلت فيه سيرين عبد النور هذه المرّة. لكن لا ينبغي لهواة هذا النوع أن ييأسوا فوراً، إذ لن تكفّ داعش عن الإيحاء بخرافاتٍ جديدةٍ تشتقّ من أهوال ما تصنع بالفعل. ولا ينبغي لوم الصحفية الحسناء على تأليفها بل تلام داعش... مالئة الأرض بالقبائح، وملهمة السفهاء... والسفيهات.

 

* العدد 229.