حكاية ربطة خبز
من يحاصر مدينة دير الزور بلقمة عيشها!

ما زال قسم من أهالي مدينة دير الزور يقبعون تحت سلطة قوات النظام في الأحياء التي يحاصرها تنظيم الدولة الإسلامية منذ نحو عامين؛ وتتولى فيها منظمة الهلال الأحمر توزيع الخبز المجاني منذ بداية العام الجاري، لكن ذلك عنوان فرعي لحكاية طويلة ومعقدة.

بالطبع لا تتم عملية التوزيع بوتيرة واحدة، فهي تتعرض لانقطاعات يصل بعضها إلى خمسة أيام، أشاع عن أحدها العاملون في الهلال أنه جاء رداً على المضايقات التي يتعرضون لها أثناء تجمع الأهالي لانتظار استلام حصصهم من مراكز التوزيع. رغم أن صفحات محلية تدار من داخل المناطق المحاصرة ذكرت أن العاملين كثيراً ما يشتمون المنتظرين ويكفرون في وجوههم، بالإضافة إلى بيع قسم من الخبز في السوق، دون أن يجرؤ أحد على الكلام خوفاً من توقف التوزيع. وقد نقل إعلاميون محليون، من المنطقة المحاصرة أيضاً، مناشدات أهلية لرئيس فرع الهلال أحمد دهموش لإعادة توزيع الخبز من طاقات أفران (الضاحية وخالد بن الوليد والشاهر والبيئة والموظفين والجوهر)، وهي الأفران التي يعتمد عليها الهلال لإنتاج الكميات الموزعة، بعد أن تحول التوزيع إلى مراكز خاصة يتم فيها التلاعب بشكل أكبر لصالح عناصر الدفاع الوطني والميليشيات الأخرى والدائرين في فلكهم. يضاف كل ذلك إلى التدني الكبير في نوعية الخبز، إذ يطحن قمحه دون تعقيم رغم مدة تخزينه الطويلة.

بينما اعتمد حي هرابش والأحياء الملاصقة له، و1200 عائلة يسكنون فيها بحسب الأرقام الرسمية، على إلقاء كميات الخبز من الجو مرة إلى مرتين في الأسبوع، بعد أن قطع تنظيم الدولة الطريق التي تصل تلك الأحياء بباقي أجزاء المدينة الخاضعة للنظام، حيث مخزون الحبوب، في منتصف الشهر الأول من السنة الجارية. ويخلو حي هرابش، الأكثر فقراً، من الأفران الخاصة التي تعمل في القسم المقابل في المدينة (الجورة والأحياء والأراضي الملاصقة لها).

في الشهر العاشر من السنة الماضية وعد وزير التجارة الداخلية وحماية المستهلك في حكومة النظام، عبد الله الغربي، بتوزيع الخبز مجاناً في الأحياء المحاصرة. وكانت الأفران وقتها تبيع ربطة خبز كحد أقصى للشخص، بمئة ليرة. ولم يطل الانتظار حتى بدأ التوزيع بالفعل. وبحسب أكثر من مصدر في فرع الهلال الأحمر بدير الزور فإنه يوزع 20 ألف ربطة خبز يومياً، وزن الربطة 1300 غ، لـ18 ألف عائلة، ويسكن الآن في المناطق المحاصرة، بحسب إحصاءات الهلال، 95 ألف شخص.

كان كل ما تقدم حصيلة ظاهرية لما دار بخصوص الخبز هناك. أما في الخفاء فإن اللجنة الدولية للصليب الأحمر أرادت إجراء مناقصة بهدف توقيع عقد مع طرف محلي لإنتاج وتوزيع سبعة آلاف ربطة خبز يومياً على السكان المحاصرين في المناطق الخاضعة لقوات النظام، والذين يبلغ عددهم، بحسب الأمم المتحدة، 72150 نسمة، ويقدرهم مطلعون بعشرة آلاف عائلة. ويعد عرفاً في المنظمات الدولية عدم إشهار تلك المناقصات، لإبعاد الانتهازيين وأصحاب الأهداف الربحية عنها، فاستعملت الصليب الأحمر قائمة تحوي على شركاء محتملين من المرغوب بشراكتهم في هذا النوع من المشاريع، كان أحدهم التاجر محمد سعيد السليمان الأشرم، المعروف بأبو سعيد، ذو الصيت السيء، الذي كسب المناقصة بدفع أيد خفية، لقاء 650 ل.س على الربطة الواحدة (بزنة 1100 غ وقطر الرغيف 40 سم) أي أن قيمة الكمية المتفق عليها تصل إلى ما يقارب 50 مليون ليرة خلال ثلاثة أشهر فقط.

نظرياً يبلغ كفاف الفرد 250 غ يومياً، أي ما يعادل نصف رغيف في الوجبة تقريباً، الأمر الذي انتزع من سياقه وروِّج على أنه نصف رغيف في اليوم كحصة للفرد على أرض الواقع في مدينة دير الزور.

ومنذ ما قبل مشروع الخبز المجاني وحتى الآن، ترسل مديرية التموين في المدينة 15 طناً إلى المطحنة، سبعة أطنان منها مخصصة للجيش، وسبعة أطنان للأفران الأخرى التي تعاقد معها أبو سعيد، ويذهب الطن الباقي لمخبز الجاز المخصص للأفرع الأمنية، بينما تلقى الخميرة من الطائرات مقدمة من برنامج الأغذية العالمي wfp.