حتى في الشرق الأوسط، معظم الإرهاب ليس إسلامياً

آلان غابون*
موقع Middle East Eye
19 حزيران
ترجمة مأمون حلبي

اسأل معظم الناس: من ارتكب أسوأ الهجمات الإرهابية في أوروبا في العقود الأخيرة؟ على الأرجح سيقولون إنهم المسلمون. لكنهم مخطئون في هذا الجواب.

كثيراً ما يتم تصوير الإسلامية والإرهاب ككلمتين مترادفتين في وقتنا هذا، لكن تحليلاً للأعمال الإرهابية التي ترتكب في شتى أنحاء العالم يُبيّن أن معظم هذه الأعمال ليست ناتجة عن مسلمين يتصرفون باسم إيمانهم. وعلى عكس التصورات الشائعة والتصريحات السياسية والتغطية الإعلامية، فإن فكرة أن معظم الإرهاب (يعرّف الإرهاب بأنه استخدام، أو التهديد باستخدام، العنف ضد المدنيين وغير المقاتلين لأسباب سياسية أو دينية أو اجتماعية لا شخصية) يتسبب به مسلمون يتصرفون باسم إيمانهم هي ببساطة فكرة خاطئة.

وبالعودة إلى الأبحاث الأكاديمية وصحافة التحقيقات والإحصاءات الرسمية الصادرة عن منظمات مثل مكتب التحقيقات الفيدرالي واليوربول يتبيّن لنا أنه في المجتمعات الغربية تُرتكب نسبة بسيطة فقط من الهجمات الإرهابية من قبل إسلاميين أو جهاديين أو تشكيلات مشابهة. فرنسا هي البلد الغربي الوحيد الذي تأثر جدياً من هذه الظاهرة، أما في العالم الغربي عدا فرنسا -الذي يشتمل على 38 بلداً بعدد سكان إجمالي يبلغ مليار إنسان تقريباً- فقد بلغ عدد ضحايا الجهادية حوالي 450 شخصاً منذ 11 أيلول 2001، بما في ذلك ضحايا هجمات مانشستر الشهر الماضي.

ما الذي تقوله الأرقام

بين عامي 1980 و2005، نسبة 6% من الهجمات الإرهابية في الولايات المتحدة ارتكبها إسلاميون، في حين أن أكثر من 90% ارتكبتها جماعات أخرى: إسبان، مسيحيون، يهود، ناشطو اليسار المتطرف، ناشطون بيئيون، أنصار سيادة العرق الأبيض المنتمون إلى اليمين المتطرف، الجماعات المعادية لوجود الحكومات، الجماعات المعادية للإجهاض، انفصاليو إقليم كيوبك، وغيرهم. ينطبق هذا الأمر على عدد الهجمات (سواء أكانت ناجحة أم لا) وعلى عدد الإرهابيين، كما يُلاحَظ بوضوح إن كلف المرء نفسه عناء الاطلاع على الإحصاءات السنوية والشاملة بلداً بلداً، الصادرة عن قاعدة البيانات المتعلقة بالإرهاب على مستوى العالم والموجودة في جامعة ماريلاند. وعلى غرار ذلك، فإن نسبة الأحداث الإرهابية الإسلامية من 1970 حتى 2017 في أوروبا الغربية تبدو ضئيلة للغاية. ويبقى هذا الأمر صحيحاً عندما يتعلق بعدد الضحايا: منذ عام 2006، بالرغم من أنها كانت فترة صعود الجهادية، سقط معظم الضحايا الغربيين لا على يد المسلمين وإنما على يد أنماط أخرى من الجماعات الإرهابية. السنوات التي كان فيها الإرهاب المُلهَم «إسلامياً» سبباً في مقتل الضحايا في البلدان الأوروبية كانت قليلة: منذ 1970 وحتى 2017 تجاوز الإرهاب «الإسلامي» الأشكال الأخرى لخمس سنوات فقط.

ذاكرة انتقائية

يستطيع أي شخص أن يتحقق من نتيجة التشويش الذهني الذي تفرضه علينا وسائل الإعلام والعالم السياسي منذ سنوات. ببساطة، اسأل أي شخص: من ارتكب أسوأ هجوم إرهابي في السنوات العشر أو العشرين الأخيرة في أوروبا؟ تقريباً دائماً سيأتيك الرد الكلاسيكي: «لا أعرف بالضبط، لكن لا بد أنهم الجهاديون».

في الحقيقة، يبدو أن العمل الإرهابي الأكثر فتكاً الذي ارتكب في أوروبا لم يقم به مسلمون. لقد كان هذا العمل الأفظع هو تدمير رحلة جوية للخطوط الماليزية بواسطة صاروخ روسي فوق منطقة أوكرانية تسيطر عليها قوات انفصالية مدعومة من روسيا في أجواء حرب أهلية في 17 تموز 2014، ما أدى إلى مقتل قرابة 300 راكب وطاقم الطائرة. هذا ما حدث، ويا للغرابة، قام السياسيون ووسائل الإعلام والسكان بالمسارعة فوراً إلى نسيانه. حصل هذا الهجوم قبل أقل من 3 سنوات، في وقت كان فيه تركيز وسائل الإعلام على تلك المنطقة. من ناحية أخرى، يتذكر الجميع هجوم ماراثون بوسطن في 2013 مع أنه أبعد زمنياً، وبضحاياه الثلاثة كان أقل فتكاً بكثير. الذاكرة الانتقائية بشكل غريب يمكن تفسيرها بوضوح بحقيقة أن هجوم بوسطن ارتكبه مسلمان، بخلاف إسقاط الطائرة الماليزية، لذا سرعان ما تمّ إبعاد حدث الطائرة عن ذاكرتنا، مع أنه يبقى أسوأ عمل إرهابي ارتكب في أوروبا منذ هجمات 11 أيلول في الولايات المتحدة. لكن لا أحد يتحدث عن ذلك ولا أحد يتذكره.

---------------------------------------------------------------------------------------------------------

* رئيس قسم اللغة الفرنسية في جامعة ويسليان في فيرجينيا.