حاضنات الأطفال همٌّ يؤرّق عائلات الجنوب السوريّ

درعا - الناصرية - مشفى النور للتوليد - خاص عين المدينة

لم تسلم مختلف المراحل العمرية من تأثيرات سنواتٍ من الحرب الدائرة على الأرض السورية. فمنذ ولادتهم باتت شفاه الأطفال حديثي الولادة والخدّج معلماً للحزن، وتحولت بسمات آبائهم لحظة الولادة إلى مجرّد لحظاتٍ عابرةٍ يمكن أن تخطفها حاضنة أطفالٍ عاطلةٌ عن العمل أو مشغولةٌ بوليدٍ جديدٍ آخر.

الدكتور ياسر الفروح، الاختصاصيّ في طب الأطفال، قال لـ«عين المدينة»: «تعاني المنطقة الجنوبية، وبشكلٍ خاصٍّ محافظة القنيطرة، من نقصٍ حادٍّ في مجال الخدمات الطبية التخصصية. وتتجلى أبرز النواقص في عدم توافر أقسام حواضن لحديثي الولادة ضمن معظم مشافي المناطق المحرّرة».

تكمن أهمية هذه الأقسام، بحسب الفروح، في أن «نسبةً من الأطفال حديثي الولادة المرضى، أو المولودين قبل الأوان (الخدّج)، يحتاجون إلى رعايةٍ إضافيةٍ وخدماتٍ أساسية، لأن أجسامهم لم تنمُ وأجهزتهم لم تتطوّر بشكلٍ كاملٍ بعد. فهم غير محصّنين ويمكن أن يتعرّضوا لمشاكل صحيةٍ خطيرة. وتتمّ هذه الرعاية عادةً عبر وضع المولود في حاضنةٍ صغيرةٍ تمكن من خلالها المحافظة على جسم المولود ضمن درجة حرارةٍ محددةٍ، وكذلك ضبط مستوى الرطوبة فيها، كما يمكن تزويدها بأجهزة رصدٍ ومراقبةٍ وأجهزةٍ مساعدةٍ على التنفس».

ويقول الفروح إن مشاكل عديدةً تحول دون تشكيل أقسامٍ للأطفال حديثي الولادة في مشافي الأراضي المحرّرة: «يعود السبب الرئيسيّ لذلك إلى عدم توافر الأجهزة الطبية اللازمة لتفعيل هذه الأقسام، كالحاضنات في حدّ ذاتها، وأجهزة الدعم التنفسيّ مثل جهاز التنفس الآلي (المنفسة) وجهاز ضغط المجرى التنفسي الإيجابي (CPAP)، وأجهزة مراقبة العلامات الحيوية عند الطفل المقبول في الحاضنة. إضافةً إلى عدم توافر المستهلكات الطبية المخصصة للأطفال حديثي الولادة، كمعدّات قثطرة الوريد السريّ وأنابيب امتصاص المفرزات الخاصة بالخدّج وأجهزة تسريب السوائل. كما يحتاج الخديج إلى دواءٍ نوعيٍّ ينقذ حياته يدعى (السورفاكتانت)، يعدّ ضرورياً جداً لنضج رئة الخديج، وهو غير متوافر نهائياً في المناطق المحرّرة. ويعدّ عدم وجود جهاز علاجٍ ضوئيٍّ مكثفٍ لحالات فرط البيليروبين المرضيّ عند الوليد عائقاً آخر، إذ لا يوجد في المنطقة سوى جهاز واحد، مما يضطر الكوادر الطبية إلى وضع وليدين معاً فيه، ما يؤدي إلى نقص الفائدة والفعالية».

ويعدّ نقص الكوادر المتخصّصة معضلةً أخرى بحسب الدكتور الفروح، الذي يقول إن قسم حواضن الأطفال يعدّ بمثابة قسمٍ للعناية المشددة ويحتاج إلى وجود طبيب أطفالٍ متخصّصٍ ملازمٍ للكادر الطبيّ على مدار الساعة، الأمر الذي يرهق الأطباء العاملين في هذا المجال الموجودين حالياً في المنطقة الجنوبية، والذين لا يتجاوز عددهم أصابع اليد الواحدة. وكما يحتاج القسم إلى طبيبٍ متمرّسٍ يحتاج أيضاً إلى ممرّضين ذوي خبرةٍ طويلةٍ قادرين على تقديم الرعاية الفائقة التي لا يمكن أن يقدّمها الممرّض العادي.

ويقول الفروح إن الكثير من الأدوية النوعية الخاصة بالطفل المقبول في الحاضنة لا تتوافر في المناطق المحرّرة ولا تقدّمها المنظمات الطبية العاملة في الجنوب؛ ولذلك يتم السعي إلى تأمينها عبر السوق السوداء من مناطق النظام، فتبلغ تكلفتها أكثر من 5 أضعاف سعرها الحقيقيّ، وقد تصل إلى 10 أضعافه أحياناً.

وعن احتياجات الجنوب من الحاضنات يقول الفروح: «تحتاج المنطقة إلى ما لا يقلّ عن 10 حواضن لكي تغطي الحالات التي تحتاج إلى قبول، إذ إن كثيراً من الحالات التي تحتاج إلى قبولٍ يغامر الكادر الطبيّ بتخريجها ومراقبتها منزلياً أو تحويلها إلى مناطق النظام. وهنا تبرز صعوبةٌ أخرى تكمن في أن والد الطفل أو والدته لا يجرؤان على الذهاب إلى تلك المناطق تخوفاً من الاعتقال أو التجنيد للاحتياط ضمن ميليشياته المقاتلة، وإن غامرا وذهبا فسيواجهان عقباتٍ أخرى كعدم إمكانية إدخال أسطوانة الأكسجين التي لا يُسمح بمرورها عبر حواجز قوات النظام».