جماعة خراسان... ليست خرافةً وليست حقيقةً كما حدّدها الأمريكيون

في أوّل أيام هجمات التحالف على مواقع تنظيم "الدولة الإسلامية" في سوريا، فوجئ كثيرون بما أسمته التقارير الأمريكية حركة خراسان، التي كانت هدفاً لبعض الهجمات. ولم تكن "خراسان" حركةً بالفعل، بل مصطلحاً يحدّد مجموعةً من الأفراد القادمين من أفغانستان -أو المتدرّبين فيها سابقاً- والمنتمين إلى جبهة النصرة.

بدأت الرحلة السورية للجهاديّ المخضرم، محسن الفضلي، بمهمّةٍ كلّفه بها زعيم القاعدة، أيمن الظواهريّ، ربيع العام الفائت، إثر المفاصلة بين جبهة النصرة وتنظيم "الدولة الإسلامية في العراق والشام"، المعلن عنه حديثاً في ذلك الوقت. كانت مهمة الفضلي، وبعض من ذهب إلى سوريا من أفغانستان، تتلخص في الاطلاع على حقيقة ما حدث في ساحة "الجهاد الشاميّ"، ثم إرسال تقارير إلى الظواهريّ ليستأنس بها قبل أن يقول كلمته في الخلاف. ويفسّر بعض أعضاء المجتمع الجهاديّ تريث الظواهريّ في إعلان موقفٍ من "خلاف الأشقاء" ذاك، بانتظاره وصول هذه التقارير من مندوبيه على الأرض. ويرجّح أن تكون مهمّة أولئك المندوبين قد تطوّرت إلى شأنٍ آخر، يتلخص في تعزيز انتماء جبهة النصرة إلى القاعدة الأم، وتحصين مقاتليها ضد "غواية الدولة الإسلامية"، وخاصة مع انتقال نسبةٍ رئيسيةٍ من المهاجرين إلى التنظيم الوليد، ترافقهم أعدادٌ كبيرةٌ من السوريين الأعضاء في جبهة النصرة. ومنذ ذلك الوقت، ظهر في الأوساط العليا من منتسبي النصرة مصطلح "جماعة خراسان"، كجزءٍ عضويٍّ من الجبهة يتمتع بصفة النخبة في مجتمعها، من غير أن تكون له خصائص تنظيميةٌ مستقلةٌ عن جسمها العام. يدلّ على تلك العضوية تبوّء بعض "الخراسانيين" مناصب قياديةً في الجبهة، مثل أبو سليمان المهاجر، عضو الهيئة الشرعية العامة، وأحد ثلاثة أعضاء معروفين لها- إلى جانب العراقيّ أبو ماريا القحطاني والأردنيّ سامي العريدي- وكذلك تعيين السعوديّ الملقب بـ"سنافي النصر" أميراً لفرع الجبهة في الساحل.
ولكن، يبدو أن هذه الوظائف القيادية المباشرة للخراسانيين كانت استثناءً عن وظيفةٍ أساسيةٍ تركزت في التوجيه والإرشاد والدعوة بين منتسبي جبهة النصرة. ويمكن تشبيه "جماعة خراسان" بوحدةٍ معنويةٍ وفكريةٍ خاصّةٍ، تعنى بدمج المجاهدين المحليين في روحية القاعدة الأم، وبتقديم الدعم المعنويّ الكامل لزعيم النصرة الشابّ الملقب بـ"الجولانيّ"، بعد حادثة الانقسام الخطيرة التي أربكت صورته بين أتباعه. وبحسب معلوماتٍ مؤكدةٍ كان عدد طالبي الاجتماع بزعيم الخراسانيين محسن الفضلي، من أعضاء جبهة النصرة، يفوق عدد من يطلب مقابلة الجولانيّ، الذي لم يسافر إلا إلى العراق. ولا تُفهم هذه المفاضلة على أنها قلة انضباطٍ في صفوف الجبهة، بل نزعة تعلقٍ لدى الجهاديين المحليين برموزهم من الأفغان العرب، أكثر من تعلقهم بالأمير المباشر. وكانت التزكية التي يحصل عليها أيّ عضوٍ من قبل الخراسانيين كفيلةً بترفيعه إلى أعلى المناصب، كما حدث مع أبي الحسن الكويتيّ (علي العرجاني)، الذي رفعته تزكية إلى مرتبة "شرعيٍّ أوّل" في فرع النصرة بدير الزور.
وعلى العــــموم، ورغم اتـــصاف عناصرها بالانغــــلاق بعيداً عن مجتمع السوريين وثورتهم؛ لم تصدر عن أعضاء "جماعة خراسان" المعروفين مواقف غلوٍّ زائد، بل حذروا من مخاطر التكفير وأحكام الردّة العشوائية. كما فعل أبو سليمان المهاجر في تغريداته التي أدانت أفعال تنظيم "الدولة"، وخاصّةً فيما يتعلق بحكمهــا بالــردّة على مقـاتلي الجيش الحـــرّ، وبعض عمليات خطف المواطنين الغربيين في سوريا (اعتبر المهاجر اختطاف التنظيم للبريطاني آلن هينينغ مخالفةً شرعية). ولم يكفّ الخراسانيين عن التذكير بالنتائج الكارثية "للغلوّ" على ساحتي الجهاد الجزائرية والعراقية.
وتوجب المهمـات الموكلـة إلى أعضاء الجماعة، في الدعوة والارشاد، التنقل الدائم بين وحدات النصرة وفروعها المنتشرة على الأراضي السورية. وتوجب كذلك تفرّغهم لها، وخاصّةً مع قلة عددهم –الذي لا يتجاوز الأربعين، بحسب مصادر من جبهة النصرة- بالمقارنة مع عدد منتسبي النصرة الكليّ وتوزعهم جغرافياً. ويقلل هذا التفرّغ المفترض من احتمال تحضيرٍ لعمليات تفجيرٍ في أوربا والولايات المتحدة، بحسب الرواية الأمريكية قبيل وعشية تدمير المبنى الذي كان يقطنه الفضلي، وسواه من الخراسانيين، ببلدة كفردريان بريف إدلب.
وبهذا، يمكن القول إن الهجمات الأمريكية كانت، في جانبٍ رئيسيٍّ منها، ذات منحىً وقائيٍّ أكثر من كونها إحباطاً مباشراً لعملياتٍ "إرهابيةٍ" محدّدة.