جسر التحدي في دير الزور.. حصيلة البدائية والضحك

من الإنترنت للجسر

لم يكن لجسر بدائي يقيمه النظام على نهر الفرات بمدينة دير الزور، أن يحرك كل هذه السخرية المثارة حوله، لولا الاحتفاء الصاخب بتشييده بأيدي "الكوادر الوطنية"، كذلك لولا أن افتتحته أعلى "سلطة تنفيذية" لدى النظام السوري ممثلة برئيس مجلس وزرائه حسين عرنوس، والذي بحضوره حظي أهالي مدينة دير الزور بكمية إضافية من مخصصات الكهرباء، وتنظيف للشوارع، جعلت من البعض يهلل لها بالرغم من اقتصارها على فترة الزيارة.

عرنوس الذي كان محافظاً لدير الزور حتى بداية الثورة السورية في العام 2011، قال في معرض خطابه أثناء الافتتاح "بمناسبة الذكرى الـ 76 لعيد الجلاء قامت قواتنا المسلحة بالتعاون مع الجهات الفنية في دير الزور بتنفيذ هذا الجسر المؤقت بمنتهى الدقة والإبداع، واستطاعوا أن يمروا فوق نهر الفرات العظيم من خلال عمل هندسي دقيق".

يعلق أحد ناشطي دير الزور "عمل هندسي دقيق أنشئ بمنتهى الدقة والإبداع!. عبارة بمجرد سماعها يخيًّل للمستمع أن دير الزور تشهد بناء صرح يوازي في عظمته جسر البوسفور في إسطنبول، في حين أن "داعش" وبإمكانيات أقل أنشأت شبيهاً له على فرع النهر الصغير في المدينة".

فالجسر المفتتَح يصل حي "الحويقة" في مدينة ديرالزور بقرية الحسينية الملاصقة، وتحديداً بالقرب من "نادي المهندسين" على الضفة اليسرى من النهر، ويتخذ مكانه بين جسري السياسية والمعلق بطول 220 متراً وعرض 10 أمتار واستطاعة 100 طن، وفقاً لوكالة "سانا" التابعة للنظام. وكان الإعلام المؤيد له أطلق عليه اسم "عبّارة" عند تغطية المراحل النهائية في عملية إنشائه، لكنه تراجع مؤخراً عن التسمية وأبدلها بجسر التحدي "المؤقت"، للقناعة التامة بانهياره مع أي زيادة في منسوب مياه النهر، كما يحلل البعض.

وكانت الفرقة الرابعة بدأت بتنفيذ الجسر منذ قرابة الخمسة أشهر، أي بعد الزيارة الأولى التي أجراها حسين عرنوس لدير الزور في كانون الأول من العام 2021، وهو في منصبه الحالي، والتي سبقتها زيارة قبل أربع سنوات في خريف 2017، عندما كان يشغل منصب وزير الأشغال العامة.

واختار القائمون على بناء الجسر من الفرقة الرابعة مكانه على أساس غزارة جريان المياه، معتمدة المنطقة الأكثر عرضاً من سرير النهر في المنطقة، كما أفاد مصدر مطلع في مدينة دير الزور. مضيفاً أن المشرف على تنفيذ الجسر هو ضابط برتبة نقيب في الفرقة الرابعة، حاول عدة مرات إقناع قيادة الفرقة ببدائية الفكرة، لكنه لم ينجح في ذلك رغم أن أعمال الإنشاء لاقت سخرية وتحذيراً من الجانب الروسي في المدينة.

وأضاف المصدر لعين المدينة، أن تنفيذ الجسر توقف أكثر من مرة، لكن الدفع لإتمامه جاء من الجانب الإيراني خاصة من منظمة "جهاد البناء"، التي تمد ضباط وعناصر الفرقة في دير الزور بمساعدات مالية وإغاثية.

وشرح المصدر الذي طلب عدم ذكر مكان عمله بالإضافة إلى اسمه لأسباب أمنية، أن أعمال الإنشاء بدأت بسطو الفرقة على أنابيب معدنية وقساطل يصل قطرها إلى المترين من مؤسسة المياه وشركة النفط، وأن عناصر من الفرقة عملت على لحم الأنابيب حول القساطل بشكل أفقي، لتشكيل دعامات للجسر بقطر يصل إلى سبعة أمتار، وتسمح للماء بالتدفق من تحته، قامت الجرافات بعدها بردمها بأنقاض الأبنية وبقايا الأتربة التي جرى نقلها من مبنى مديرية الزراعة وحي البغيلية.

في حين نقلت مصادر أهلية قريبة من موقع بناء الجسر لعين المدينة، أن الفرقة قامت بوضع قطع بيتونية كبيرة من الردم أمام القساطل للتغلب على قوة تدفق المياه واصطدامها بالجسر، لكنها تسببت بانسداد القساطل مع ما علق بها من القش والأغصان العائمة على سطح النهر، الأمر الذي جعل المياه أكثر تدفقاً وقوة في الجزء الذي لم يكن قد أُنجز حينها من جانب قرية الحسينية.

وأوضحت المصادر أن الفرقة اضطرت إلى تركيب جسر معدني بطول 18 متراً في الجزء المتبقي، لاستحالة متابعة عمليات وضع القساطل. مستدركةً أن الجسر المعدني هو بقايا جسر حلبية وزلبية غربي مدينة دير الزور.

وعلقت المصادر ساخرة من مصطلح "الكوادر الوطنية" التي ألصق بها إنشاء الجسر، فاللمسات الأخيرة التي كللت بها علميات الانشاء كانت من نصيب كل من مؤسسة الإسكان العسكري، التي أضافت أنابيب معدنية لحافتي الجسر، والشركة العامة للطرق والجسور (رودكو) التي ساهمت بتزفيت الجسر.

ما عنى الأهالي في مدينة دير الزور ومحيطها من كل هذه التفاصيل، هو افتتاح حسين عرنوس للجسر، إذ جاء مترافقاً مع نقمة طلاب المدارس الذين حشدوا للاحتفال، وفرح الأهالي بساعات الكهرباء التي لم تنقطع بهذا الوقت والشوارع التي نظفت قبل قدوم عرنوس.

ومثل التعارض بين ما أثاره إعلام النظام من احتفاء وتسميات رنانة على الجسر من جهة، وبدائية العمل المنجز من جهة أخرى، مساحة كبيرة للتهكم والسخرية على وسائل التواصل، حتى أن البعض خشي من أن يؤثر وزن صور بشار الأسد على استطاعة الجسر الفعلية.