جرائم القتل في مدينة دير الزور

عناصر من ميليشا الدفاع الوطني - متداول

في يوم (20) من شهر أيلول الماضي، وبعد اختفائه عدة أيام، عُثر على جثة الشاب محمد فوزي المحمد على سطح بناية مهجورة في حي الجبيلة بمدينة دير الزور، مغطاة بلحاف صوف وعليها آثار طعن بخنجر، وعلامات خنق بسلك معدني على الرقبة.

سرعان ما اكتُشف القاتل، وهو العنصر في ميليشيا "الدفاع الوطني" التابعة لقوات النظام، حسين علي واصل، الصديق المقرب لمحمد. واعترف باستدراجه بحثه على تفقد بيت يملكه في بناية بحي الجبيلة، ثم قتله طعناً بخنجر، ثم خنقه بسلك معدني للتأكد من موته بصورة قطعية، وقبل أن يسلب ما بحوزته، نقوداً وهاتفاً محمولاً.

جريمة أخرى مروعة وقعت يوم (29) من الشهر ذاته، وكان القاتل فيها أيضاً عنصراً في ميليشيا "الدفاع الوطني" يعرف باسم عماد الحلبي. في ذلك اليوم، تعالى صوت عماد، الواقع حينها تحت تأثير المخدرات، وزوجته؛ ثم سُمع صوت طلقتي رصاص، كانت الأولى في عنق الزوجة التي استطاعت الهرب والنزول إلى الشارع قبل أن تفارق الحياة، والثانية أطلقها العنصر في رأسه منتحراً، وتضاربت الروايات حول الدوافع -إن وُجدت- لهذا الفعل.

كل شهر تقريباً تقع جريمة قتل أو جريمتان، يكون القاتل في معظمها عنصراً في واحدة من الميليشيات. فقبل جريمتي أيلول، وقعت سلسلة جرائم مشابهة، بعضها بدافع السرقة والسلب، وبعضها بدافع التخلص من زوج العشيقة، والبعض الآخر بدافع الانتقام، أو المنافسة على غنائم ومكاسب مالية.

قبل الثورة، كانت جرائم القتل عن سبق الإصرار والترصد نادرة الوقوع، فخلال عقد كامل قد تقع جريمة واحدة أو جريمتان، تكون حديث الناس أسابيع عدة؛ وأما اليوم فصار القتل بدوافع جرمية حدثاً معتاداً ربما لا يسمع بحوادثه كثير من سكان مدينة دير الزور.

يعدّ ارتفاع معدل هذه الجرائم إلى هذا الحد، مؤشراً خطيراً على أزمة تتعدى الجانب الأمني والسياسي والاقتصادي، إلى ما هو اجتماعي وأخلاقي، من حيث دلالته على انهيار في منظومة القيم السائدة، خاصة في الوسط الذي يضمّ عناصر الميليشيات، والعاملين مع أجهزة مخابرات النظام وتشكيلات جيشه.

يقول (م)، وهو طالب أوقف دراسته الجامعية، وتنقل بين مهن حرة عدة مكنته من الاطلاع -وفق تعبيره- على "حقائق تشيب لها الرؤوس"، إن ما يحدث اليوم من جرائم قتل هو نتيجة طبيعية لما حدث في السنوات السابقة، فالأحوال والأنفس والمحرمات والروادع قد تغيرت، وانقلبت رأساً على عقب، فمن كان يحمل البندقية في صفوف الميليشيات واعتاد على القتل والنهب والسرقة، لن يجد أي رادع ذاتي في استئناف سلوكه الإجرامي، الموجّه سابقاً في سياق عسكري أمني عام، ضدّ معارضي النظام- في سياق فردي آخر لا مجال لوضعه تحت عنوان عام، حتى لو كان زائفاً.

ويسرد أمثلة ومشاهدات من يوميات الحياة في المدينة، عن تفكك المجتمع وانهيار الروابط الأسرية، "أعرف أب صار يخاف من ابنه لأنه عنصر بالدفاع الوطني، وأعرف أب ثاني عنده بنات اثنين مراهقات، وفلتانات مو قدران يقلهم وين قعد تروحون أو من وين تجون". فما كان مستبعداً من ذهن أشدّ الشبان تحللاً قبل الثورة، صار مقبولاً واعتيادياً لدى شبان كثيرين، وعلى الأقل لدى فئة من حملوا السلاح وقاتلوا إلى جانب قوات النظام. هؤلاء، وإن كان معظمهم بالأصل قادم من خلفيات إجرامية، كلصوص ومروجي مخدرات ومخبرين صغار، إلا أنهم لم يكونوا يتجرؤون على جرائم القتل، إلا فيما ندر، إلى هذه الحدود التي نراها اليوم، حسب ما يقول (م).

تقول تقديرات تبدو قريبة من الواقع، إن عدد المنتسبين إلى الميليشيات التابعة لقوات النظام، أو أجهزته الأمنية في مدينة دير الزور، يتراوح بين (2000) إلى (2500) عنصر؛ وتقول التقديرات كذلك، إن عدد السكان في المدينة يزيد على (250) ألف نسمة. وفي أحسن الاحتمالات، وباستثناء أعداد من قاتلوا سابقاً في صفوف هذه الميليشيات، نجد أن واحداً تقريباً من بين مئة شخص في المدينة، لديه استعداد لفعل القتل، طالما كان يفعل ذلك خلال السنوات السابقة.