تفشي الدّعارة في مدينة الحسكة بحماية قائد ميليشيا «الدفاع الوطني» وضباط

متداولة على الإنترنت لميليشيا الدفاع الوطني

في مساء اليوم الأول من عيد الفطر، يتجمّع يافعون في عمر الخمس عشرة بالقرب من بيوت ذويهم في الحارة القريبة من مركز مدينة الحسكة الخاضع لقوات النظام وميليشياته، وهناك يتداولون أمراً يظهر أنه سريٌ ومهمّ، من خفوت أصواتهم على غير العادة. يفضح أمرهم قريب أحدهم حين يُقبل من نهاية الحارة، ليذكرهم بصوت خشن، وبنوع من المزاح والتواطؤ، أنه يعرف السبب الذي دفعهم لدخول تلك العمارة.

إلى جانب قطع عسكرية في جبل كوكب القريب، ما زالت قوات النظام وميليشياته تسيطر على مركز مدينة الحسكة، عاصمة المحافظة، التي تضم الأبنية الحكومية وأفرع أجهزة الأمن التابعة للنظام وسوق المدينة. وعند دوار الساعة هناك، تقع العمارة التي قصدها اليافعون في العيد، وفيها بيت مؤلف من أربع غرف، تُقيم فيه امرأة أربعينية ومعها أربع فتيات بأعمار (15، 25، 27، 32) يعملن في الدعارة، لكن بأجر ثابت موحد قدره (5000) ليرة سورية، وتصنع المسؤولة خصماً لمعارفها أحياناً أو معارف أحد الضامنين لهذه البيوت.

في السنوات الماضية ازداد عدد البيوت الشبيهة بهذا البيت، تتوزع في المنطقة التي يُسيطر عليها النظام بمساحة لا تزيد على (3) كم2 وسط المدينة. تحظى هذه البيوت بحماية من ضباط أمن وشرطة، ويعمل بعض العناصر مباشرة ضمن شبكات الدعارة. كحال الشرطي (أبو ساكو)، الذي يقوم باصطياد الزبائن في (كافيه النزهة)، رغم أنه (لاداعي الآن للسماسرة فهذا الأمر متاح للجميع!) كما يقول صاحب محل قريب من أحد البيوت، لكن الحماية ضرورية، وتلك المضمونة التي يطمح إليها كثر في هذه المهنة تؤمّنها ميليشيا الدفاع الوطني في الحسكة، خاصة حين يبرز محتجون ذوو شأن على أحد البيوت.

وفي عمارة أخرى وسط شارع فرعي عن شارع المحطة؛ تشاجر مُستأجر جديد لإحدى الشقق وزوار شقة مقابلة، إثر ارتياب المستأجر بتصرفات زوار البيت الكثر وبأصحابه. وقف الجيران مع المستأجر الجديد بتردد، قبل أن يتبينوا أنه عنصر أمن، ثم ساندوه في "بهدلة" من في البيت بعد ذلك، حين أخرج بندقيته وأطلق منها لطرد الزوار "غير المحتشمين". كانت الحادثة هي الأولى من نوعها لاعتراض سكان العمارة على بيت الدعارة المفتتح بين بيوتهم، بدعم وحماية من عبد القادر الحمو قائد ميليشيا "الدفاع الوطني" في الحسكة.

 

سوّيت المشكلة بنقل البيت إلى عمارة مجاورة، بعد تدخل الحمو، الذي يحلّ المشكلات المتصلة بالشبكات التي يرعاها، أما عن المقابل لتلك الحماية، فليس هناك إمكانية لتحديد ذلك تماماً، لكن سبباً مادياً بالتأكيد يقف وراءه، فهي (تجارة مربحة وسريعة)، تحقّق دخلاً (جيداً) لجميع المشتركين فيها، من (عاملات) و(قوادين) و(ضامنين) كما يحلَّل عادةً. وتظهر سطوة الحمو وقدرته على حماية (جماعته) من التنافس بين تلك البيوت على استقطاب الزبائن، لأن أي تنازع في هذا المجال يُحلّ لصالح (جماعة الحمو).

موجة النزوح الكبيرة وتردي الأوضاع المعيشية كانتا سبباً رئيسياً دفع نساء إلى اللجوء لمثل هذه (المهنة).. "إي مهنة" كما تقول إحدى العاملات، وتتابع أنها كانت بحاجة مادية بداية الأمر، ولكنها الآن لم تعد كذلك، فاليوم تجني من العمل أموراً معنوية عدة فهو "يعرفني على ناس كل يوم، وأنا أختار" حسب المكانة الاجتماعية للشخص ومقدار ثروته وتمتّعه بالدعم، وحسب نوع سيارته مرات أيضاً، كما تشرح المرأة التي تُفكر بافتتاح بيت جديد بحي آخر تكون هي المديرة فيه، مُستفيدة من حماية أحد الضباط -رفضت أن تسميه-.

وبعكس الأخريات اللواتي اخترن العمل بأنفسهن، وبضغط من عوامل اقتصادية، فإن رنا (اسم مستعار لفتاة نازحة من الشمال السوري) التي لم تتعدّ سن المراهقة بعد، بدأت (مهنتها) هذه بليلة مع ضابط برتبة ملازم تخاف أن تذكر اسمه، قبل أن تتكرر حوادث مشابهة، دفعتها للسقوط نهائياً في هذا العالم "الأسود" كما تقول من غير اكتراث، لكنه "مربح جداً" بوارد يقترب من (20) ألف ليرة كل يوم، يذهب نصفه لمعلمتها وللضابط الذي يرعاها، ويبقى لها النصف الآخر.

الحماية التي تؤمنها الميليشيات، خاصة، لتلك البيوت جعلت الصمت سيد الموقف في المنطقة المشهورة بمحافظتها اجتماعياً، باستثناء اعتراضات لا تخصّ المهنة بحد ذاتها، فبحسب ما يُروى عن إمام مسجد الهدى أنه نصح إحدى العاملات (ليش يابنتي هيك لابسة! حرام عليكي لساتك زغيرة، والحكي يكثر عليكي) أثناء خروجها من بيتها، لكن أحد الرجال الذين يقفون مقابل البيت وضع له حداً عندما وصفه بالتخلف والرجعية. لم يستطع الإمام الردّ، فماسورة المسدس على خصر الرجل كانت كفيلة بإنهاء الحديث.