تعنيف الأطفال في إدلب.. بين التفكك الأسري والثقافة الأهلية وانعدام الحلول

الطفلة نهلة العثمان

هدأت العاصفة الإعلامية التي أثارها موت الطفلة نهلة العثمان في إدلب، لكن العنف ضد الأطفال ما زال قائماً، كجزء من المشكلات التي يعاني منها الأطفال في عموم سوريا، دون أن يكون في الأفق حل لها، خاصة وسط التفكك الأسري الذي يعاني منه المجتمع السوري، وفي ظل سيادة ثقافة تمجد العنف.

تقول قصة الطفلة نهلة عثمان (٦ سنوات) إن والدها كان يسجنها داخل قفص حديدي لأيام بدون طعام أو شراب لأنها دائمة الحركة! إلى أن لفظت أنفاسها الأخيرة، وقد نزحت قبل الحادثة مع عائلتها من كفرسجنة، لتعيش في مخيم فرج الله بريف إدلب الشمالي مع والدها وزوجته الجديدة بعد أن طلق أمها.

صمدت الطفلة على تعنيف والدها لعدة أشهر قبل أن تفارق الحياة من الجوع والعطش والتهاب الكبد وأمراض أخرى كانت تعاني منها نتيجة الظروف القاسية التي عاشتها.

وكان قد سبق موت نهلة حادثة تعنيف أودت بحياة طفلة بعمر السنتين في بلدة جنديرس بريف حلب الشمالي، حيث أقدم زوج والدتها على قتلها بالاشتراك مع أمها، وذلك بسبب صياحها المتكرر ليلاً.

تشي الحادثتان بأن الطفولة لم تعد في أمان حتى في كنف الأسرة، فتأثير الحرب لا يقف عند النتائج المباشرة على الأطفال من فقد الأمان أو الغذاء والمرض والحرمان من التعليم وغيره من الحقوق، الأمر الذي أجمله وكيل الأمين العام للشؤون الإنسانية مارك لوكوك في مؤتمر صحفي نهاية آذار الماضي، بأن "ما يقرب من نصف أطفال سوريا لم يعرفوا شيئاً سوى حياة الصراع"؛ لكن تأثير الحرب يشمل نتائج غير مباشرة تصل آثارها إلى الأطفال عبر التفكك الأسري، وبشكل خاص في ظروف النزوح، حيث يسبب الخوف وانعدام الأمان للكثير من الآباء والأمهات -كما يرى البعض- التوتر الذي ينقلونه إلى أطفالهم بالتعنيف اللفظي أو الجسدي، لينقل الأطفال أيضاً فيما بينهم هذه المشاعر السلبية، فتغلب العدوانية على صفاتهم، وهي التي تشكل أحد أسوأ انعكاسات العنف الذي يمارس ضدهم.

يتحدث الطفل فراس (٩ سنوات من ريف إدلب فقد والدته بالقصف)، عن معاملة والده السيئة خاصة بعد زواجه من امرأة أخرى تسيء كذلك معاملته. فيقول: "تضربني وتحبسني وتمنعني في كثير من الأحيان من تناول الطعام.. فأقنعت والدي بأن يخرجني من المدرسة لأساعده في تأمين مصروف البيت". ويبين فراس بأنه يتمنى أن  يذهب للعيش في بيت جدته،  لكن والده وزوجته يرفضان ذلك رفضاً قاطعاً.

الثلاثينية أم عمر من بلدة حزانو تتحدث لـعين المدينةعن تعنيف طفلها من قبل زوجها، الذي يصل إلى ترك كدمات على جسد الصغير، قائلة: "طفلي عمره ثلاثة أعوام. عندما أعترض (على ضربه) يقول لي دعيني أربيه لكي يحسب لي حساباً عندما يكبر". وترى أن ذلك انعكاس لتربيته التي تلقاها من والديه والتي كانت بذات الطريقة.

وتضيف الأم بأن نتائج الضرب كانت مأساوية على ولدها الذي بات يعاني من التبول اللاإرادي، ويخاف من أي أحد يقترب منه، ويميل في معظم الأوقات إلى الانطواء والعزلة، ويرفض اللعب مع أقرانه.

لا يقتصر العنف الذي يمارس ضد الأطفال على العنف الأسري، وإنما يتعرض الأطفال في كثير من الأحيان للعنف داخل مدارسهم من قبل معلميهم أو مديري مدارسهم، الأمر الذي يؤثر سلباً على تعلم الأطفال، ويؤدي إلى تأخر تحصيلهم الدراسي أو حتى تسربهم من المدارس.

الطفل وسام (٨ سنوات من مدينة إدلب) يرفض الذهاب إلى المدرسة، وكلما حاول والده إرساله إليها يصاب بالهلع والخوف فيصرخ ويبكي بشدة، وذلك بسبب الضرب والتعنيف الذي يتعرض له باستمرار من قبل معلمته، الأمر الذي جعله يترك المدرسة ويرفض بشدة العودة إليها ثانية، دون أن يكون هناك جهة يلجأ الوالدان إليها بإمكانها ضبط الأمر ومحاسبة المعلمة.

 ويتعرض الأطفال أيضاً للعنف داخل أسواق العمل، حيث أجبرت ظروف الحرب القاسية أطفالاً بأعمار صغيرة على العمل في مختلف الأعمال والأشغال المنهكة لأجسامهم الضعيفة، وكثيراً ما يتعرضون أثناء العمل إلى أشكال مختلفة من العنف النفسي والجسدي تحت شعار "مصلحة الطفل"، كما ويتعرض أيضاً الكثير منهم للاستغلال بكافة أشكاله من قبل أرباب العمل، دون رأفة أو رحمة، في ظل غياب الرقابة والمحاسبة.

عامر (١٢ عاماً من بلدة بنش) أجبره واقع الحياة في ظل الحرب الراهنة على أن يكون كبيراً، ويحمل على عاتقه أعباء أسرة كاملة، بعد أن استشهد والده في إحدى غارات الطيران الحربي على بلدته، حيث راح يعمل في إحدى ورشات تصليح السيارات. وعلى الرغم من صعوبة عمله ووقوفه طوال النهار، فإن صاحب الورشة يعامله بقسوة، وفي كثير من الأحيان يجبره على الذهاب إلى السوق ليجلب له بعض الحاجيات الخاصة، وإن لم يحسن اختيارها يؤنبه ويضربه، وفضلاً عن ذلك فإنه يطلب منه تجهيز الشاي والقهوة وتقديمهما سواء له أو لزبائنه، ولا خيار أمام عامر إلا الامتثال لأوامره حتى لا يطرده من مصدر رزق عائلته الوحيد.

وعن خطر العنف ضد الأطفال يتحدث الأخصائي في الإرشاد النفسي بلال العلوان من مدينة إدلب، قائلاً: "العنف ضد الطفل سواء بشكل معلن أو غير معلن يهدد أمنه وسلامته، وسوف يبقى راسخاً في ذهنه مدى الحياة، ويتسبب له بمشاكل عديدة وأزمات نفسية كالعدوانية والاكتئاب والانطواء على الذات". ويؤكد العلوان على ضرورة القيام بحملات التوعية للأهل وتعريفهم بالعنف الأسري وخطورته على أطفالهم، إضافة إلى إخضاع الأطفال لدورات علاج نفسي للتخفيف من معاناتهم.