تراجيديا الجريح الأسديّ راتب محمّد هاجمه محتلّو منزله المدعومون، وأهانه قاضي الفرد الـعسكريّ، وصرخ في وجه أمّه نائب المحافظ.

لم يدُر في خلَد الجندي الأسديّ الجريح، راتب يوسف محمد، أن يميل به الزمن ذات يومٍ إلى درجةٍ تحوّل معها إلى متسولٍ بلا ساقين، بعد عامين من إصابته على جبهة حيّ القابون على أطراف دمشق. كان راتب قبل ذلك جندياً مزهوّاً بانتمائه إلى اللواء (105) حرس جمهوريّ، المعروف باللواء القائد. شارك في معارك هذا اللواء العنيفة في درعا وريف دمشق، قبل أن تنتهي سيرته القتالية في تلك المعركة المشؤومة في القابون. لتدخل حياته في أشدّ فصولها مأساويةً؛ فأولاً أصيب شقيقه المرافق له في مشفى تشرين بالتهاب الكبد الفيروسيّ المميت، لولا تدخل طبيبٍ "فهمانٍ" أنقذ المريض من "حيونة" الأطباء العسكريين، فاكتشف المرض وحدّد الدواء الذي يكلّف العائلة 16500 ليرةٍ شهرياً، بحسب ما تقول الأمّ في رسالة استعطافٍ إلى الصفحات المؤيدة على الفايسبوك. ثم يصاب الأب بجلطتين متتاليتين بعد أن تحطّم قلبه على أولاده، مصاب المعركة ومصاب الالتهاب والثالث الغائب على جبهة قتالٍ بعيدة. وأخيراً، يرفض مستأجرو بيتٍ تملكه العائلة، كان راتب قد اشتراه في وقتٍ سابقٍ بقرضٍ مصرفيٍّ، أن يرفعوا بدل الإيجار، كما يمتنعون عن إخلاء المنزل.
ونتيجة ذلك لم يبقَ أمام الأمّ سوى حمل صورة ابنها مبتور الساقين وطرق أبواب مسؤولي طرطوس، علّها تنجح في استعطاف أيٍّ منهم لتعيين ابنتها، خرّيجة المعهد المتوسّط، في أية وظيفة. لكن لا جدوى مع هؤلاء "الفاسدين" متحجّري القلب. بل لم تسلم الأم من الإهانة و"الطرد الأدبيّ" والتوبيخ أكثر من مرّةٍ؛ اذ صرخ في وجهها نائب المحافظ: "أبقى غير ابنك جريح بهالبلد؟!"، لتخرج من مكتبه باكيةً. وأجابها معظم المسؤولين الآخرين إجابةً واحدة: "أفي شواغر"، لتعود خائبةً بعد كلّ جولةٍ على مكاتب المسؤولين، "دواعش الداخل" كما يسمّيهم المتعاطفون الفايسبوكيون مع الحكاية.
وبحسب ما تروي الأمّ في رسالتها المكرّرة على صفحاتٍ متضامنةٍ مع "البطل الجريح"، والمظلوم "اللي بوطه أشرف من راس أكبر مسؤول بطرطوس"، فإن مصيبةً أخرى نزلت بالعائلة، تمثلت في هجمةٍ من مستأجري منزل راتب المستعصين، بهدف إخافته لإسقاط دعوى الإخلاء المرفوعة ضدّهم! تتألم الأم راجيةً من الله أن تحظى بربع ساعةٍ فقط من وقت "السيد الرئيس" لتكشف له "كل شي ميصير من هالخونة المسؤولين بطرطوس"، ولتخبره عن مشهدٍ لا يتوقع أحدٌ أن يحدث في "سوريا الأسد"، وهو أن قاضي الفرد العسكريّ، أثناء الجلسة اللاحقة من قضية مستأجري البيت المستعصين، كاد يلقي بابنها في السجن بدل المعتدين، لأن الجريح اضطرّ إلى الجلوس قبل أن يسمح له القاضي بذلك، في حين جلس خصومه "المدعومون"، الذين ما زالوا "يسرحون ويمرحون بالبيت" حتى اليوم. ومساءً، في ضيعة البريخية حيث تقيم العائلة، يحاول الجريح البائس أن يتّصل بقائده العسكريّ السابق دون جدوى، ودون أن يفهم السبب الحقيقيّ لتخفيض راتبه.
في بلدٍ آخر –يقول معلقون مؤيدون أرفع ثقافةً- يُشاد لمثل هذا "البطل" نصبٌ تذكاريّ. فهو "شهيدٌ حيٌّ" يتشرّف أيّ مسؤولٍ بزيارته والاطمئنان عليه، لا أن يرمى هكذا كما ..... بحسب أولئك المعلقين.