بين العرس والمشفى حفرةٌ في الطريق

قلعة المضيق بريف حماة - خاص عين المدينة

انتهى شهر عسل الشاب محمد الأسود، ابن مدينة كفرنبل بريف إدلب، وزوجته ضحى، سريعاً بحادثٍ مؤلمٍ في أحد شوارع المدينة جرّاء تعثر دراجته النارية بحفرةٍ مليئةٍ بماء المطر. كان الحادث كفيلاً بدخوله في غيبوبةٍ أشهراً عدّة، وكسر عظم حوض العروس التي لم تعِش من الفرح سوى أيامٍ معدودات.

الحفر الطرقية ظاهرةٌ واضحةٌ للعيان

تعدّ الحفر الطرقية واحدةً من أكثر الظواهر السلبية انتشاراً في معظم مدن وقرى المناطق المحرّرة. إذ لا يكاد يخلو شارعٌ أو حيٌّ من وجودها بأحجامٍ وأشكالٍ مختلفة، قد تصل إلى مساحاتٍ ممتدةٍ ومتصلةٍ من البرك الناتجة عن تجمّع مياه المطر في الحفر التي أصبحت معلماً واضحاً وكأنها من أصل الشارع لا طارئٌ آنيّ. يروي على دندوش، وهو شابٌّ عشرينيّ، إحدى الطرائف المتعلقة بهذه الحفر فيقول: «كنت في طريقي إلى منزل عمتي عندما استوقفتني سيارةٌ تسأل عن محلٍّ لتصليح الإطارات، فأخبرت السائق أن يتابع طريقه حتى يصل إلى «طجّة» (حفرة) كبيرة ثم يتحول يميناً عشرين متراً فيجد مبتغاه. ابتسم الرجل وقال: «وهل هناك حفرٌ أكبر من هذه التي أمامنا؟!» فابتسمت بدوري وأيقنت أنه لم يرَ الحفر الحقيقية بعد».

أسباب المشكلة

زرنا المجلس المحليّ في بلدة قيراطة بريف حماة الشماليّ وسألنا رئيسه، مصعب الخليف، عن أهم أسباب هذه الظاهرة فجاء في الدرجة الأولى انخفاض الشعور بالمسؤولية تجاه الممتلكات العامة. إذ إن المواطنين أنفسهم يقومون بعمليات الحفر غير المسؤولة، إما لصيانة بعض شبكات الصرف الصحيّ الخارجية، أو لتمديد شبكة أنابيب تنقل المياه إلى البيوت من الآبار المجاورة، دون ردم تلك الحفريات لاحقاً. «لا شك أن المواطنين يتحملون جزءاً كبيراً من المسؤولية عندما يقومون بعمليات الحفر العشوائية دون ردمها وإصلاح الطريق. وهذا الأمر من شأنه المساس بالمصلحة العامة»، قال الخليف بنبرةٍ تشي بكمٍّ كبيرٍ من مشاعر الغضب والتأنيب قد تصل إلى حدّ تقريع الأهالي الذين اعتاد بعضهم عدم المسؤولية خلال سنوات الحرب الطويلة التي يعيشونها.

وذلك فضلاً عن سقوط القذائف المدفعية وبراميل المروحيات وقنابل الطائرات الحربية في الشوارع والطرقات، نتيجة أعمال القصف العشوائية التي تقوم بها قوات النظام. وقد يكون القصف غير عشوائيٍّ أحياناً بل يتلو استهداف المدينة، في محاولةٍ من النظام لقطع الطرق ومنع سيارات الإسعاف والدفاع المدنيّ من التوجه إلى منطقة القصف الأولى.

وبالطبع لا ننسى العوامل الجوية من الأمطار والتقلبات المناخية والتفاعلات الكيميائية بين الإسفلت والمواد المنبعثة من عوادم السيارات، وفعل الزمن، وغيرها من أسبابٍ غير مباشرة.

بين المسؤولية والحلول الفردية

يؤكد لنا ميلاد السلوم (يعمل في تصليح السيارات/ دوزان) أن ما يصرف لإصلاح أعطال السيارات الناتجة عن سوء الطرقات كفيلٌ بترميم جميع الطرق في المدينة. فبينما يكلّف زوج الأمتصورات أكثر من 70 ألف ليرةٍ للسيارة الحديثة، وتزيد تكلفة زوج مخمّدات السيارة السياحية عن 150 ألفاً؛ يمكن أن تذهب هذه الأموال لإصلاح الطرق فنتخلص من المشكلة كلياً بدلاً من الالتفاف على حلها وبقائها عثرةً مستشريةً في كل الشوارع.

المسؤوليات مركّبةٌ ومتداخلةٌ بالتأكيد. فإصلاح الطرق وردم الحفر والفجوات مسؤوليةٌ يتحملها القائمون على دوائر الخدمات، التي تتعدّد أسماؤها بين منظمةٍ أو جمعيةٍ أو مجلس إدارةٍ محلية أو مكتبٍ عامٍّ للخدمات، والتي تتوزع على امتداد رقعة المناطق المحرّرة في الداخل السوريّ. يشير علاء العبد الله، وهو مدرّسٌ في إدلب، إلى أنه «لا يمكن القيام بالمستحيل بجهودٍ فردية، فالحرب وسنواتها الست العجاف لم تبق ولم تذر. ولا يستطيع أيّ مجلسٍ محليٍّ أن يخدم مدينته أو بلدته بشكلٍ كافٍ بسبب ضعف التمويل وانقطاعه أحياناً، ونقص الخبرات والإدارة غالباً. ولا بدّ من قيام هيئةٍ إداريةٍ على مستوى المناطق المحرّرة ككلّ، وسنّ قوانين ناظمةٍ وملزمةٍ ووضعها موضع التنفيذ. في هذه الحال يمكن أن نقلل من وجود هذه الظاهرة إن لم نستطع معالجتها».

إن تمكنا من تنفيذ مقترحات المواطنين ذوي الشعور العالي بالمسؤولية فربما يستيقظ محمد الأسود من غيبوبته فيجد تغيراً جدّياً في نوعية الخدمات التي تقدمها الدوائر المسؤولة في المناطق المحرّرة، ما يساعد في حماية آخرين من خطرٍ قد يكون أشد تأثيراً مما تعرّض له هذا الشاب.