بقايا (أي قطعة بعشر ليرات) في مدينة دير الزور

بسطة في سوق من ديرالزور - من الإنترنت

بضعة أمشاط وكرات من الخيوط وإبر الخياطة وعلب الكبريت والقداحات، وأغراض أخرى غير واضحة المعالم لأول وهلة ينظر بها الزبون إلى العربة الخشبية الصغيرة التي تحملها، ويقف بها صاحبها على هامش الأسواق والشوارع المكتظة، يحتاج الزبون لكي يعرف سعر القطعة إلى أن يسأل عنها بالتحديد، إذ لم تعد "أي قطعة بعشر ليرات".. بالأحرى هذا كل ما بقي من هذه المهنة التي ملأت شوارع دير الزور قبل عشرين عاماً، وضجت بها مضخمات الصوت على سيارات أو عربات أو بسطات البيع.

لا يحمل الباعة المتجولون أكثر من عدد لا يتجاوز أصابع اليدين من كل سلعة، ويختارون ما يحتاجه الأهالي في المدينة ولا يكون شيئاً من الكماليات، وتتراوح أسعارها بين الألف والعشرة آلاف ليرة.

أما أصحاب بسطات "الشادر" فيعرضون سلعاً أقل تنوعاً، وتقتصر على "إبرة الطباخ" أو "الجلدة" ومستلزمات القناديل والشموع بالتزامن مع ساعات التقنين الكبيرة، بينما يشغل باقي مساحة الشادر أدوات منزلية مستعملة يضطر أصحابها لبيعها في بعض الأحيان لشراء الخبز، أو قد يشتريها صاحب البسطة من "المعفشين" بسعر زهيد.

"القطعة اللي كانت بعشر ليرات اليوم إذا حصّلتها بأربعة آلاف زين" تقول السيدة أم محمد للفت الانتباه إلى ما أصاب عادات الاستهلاك من تغير بسبب ارتفاع الأسعار قياساً إلى الوضع المادي المزري للعديد من أهالي دير الزور.

وتتابع في حديثها لعين المدينة "صرنا نحرص على ألا نكسر كأس ماء أو شاي، لأن ذلك يعني أن عليك أن تزيد إلى مصاريفك ثمنها الذي قد يصل إلى خمسة آلاف ليرة". وتستطرد في سرد بعض أسعار الأغراض التي تشتريها من المتجولين، وكيف اضطرت إلى تغيير نوعيتها "مشط القمل بـ3 آلاف ليرة، وعليك أن تشتريه لأنك إذا أردت مشطاً أفضل فيجب أن تحسب حسابك لدفع عشرة آلاف ليرة أو أكثر بحسب نوعه، أما المساحة من النوع الرديء فسعرها 3 آلاف ليرة".

وتشرح أم محمد أنها لم أكن تتوقع أنها ستتوقف عن تبديل أغطية المخدات، التي كانت توفرها في ما مضى عربات المتجولين، فليس لدى أم محمد سوى راتبها التقاعدي من الوظيفة التي كانت تعمل بها، أما زوجها الذي كان ينخرط في "أعمال حرة" فهو اليوم مريض بالسكر وضغط الدم، أما الأولاد فكلٌّ مشغول بهمِّ تأمين لقمة عيش عائلته.

"أبو خالد" أحد الباعة المتجولين والذي كان لديه عربة يبيع فيها "القطعة بعشرة"، قال لـعين المدينة "تركت العمل ببيع القطعة بعشرة خلال سنوات الحصار، لأن السلع فقدت من الأسواق، وبعد الحصار أصبحت أسعارها عالية وليس عليها إقبال. بينما أعمل اليوم في بيع ظروف العصير والماجي والقدّاحات".

الأوضاع الاقتصادية الكارثية في دير الزور كاثرت بسطات الفلافل والحلويات الشعبية على حساب البسطات الأخرى، ولم يعد هناك باعة متجولون يحددون سعر القطعة وفق أبو خالد، فكل سلعة أصبح لها ثمن مختلف، ولا يستطيع اقتناءها وبيعها إلا من كان عنده "رأسمال قوي.. من المليونين وانت طالع"،  ويتحدث أبو خالد هنا عن مبلغ لا يتجاوز 500 دولار أمريكي، في ظل انهيار سعر صرف الليرة السورية.

ينتشر أصحاب البسطات بكثرة في حيي الجورة والقصور ولاسيما شارع الوادي، ولا تتخذ البلدية أي إجراء ضدهم بينما تصب تركيزها على الأكشاك والمحلات المستحدثة بعد الثورة، وذلك لتجبر أصحابها على الانتقال إلى شارع سينما فؤاد وحسن الطه بعد أن أعادت بتمويل من منظمات وهيئات دولية تأهيل أرضيات تلك الشوارع، في حين تتزايد شكاوى المنتقلين إليها من أصحاب المحلات من سوء الخدمات ولاسيما الصرف الصحي.

أما الأحياء المدمرة والتي يعود إليها الأهالي هرباً من ارتفاع أسعار الإيجارات في حيي الجورة والقصور، فنادراً ما تجد بائعاً متجولاً ثابتاً في مكان محدد، بل يقوم الباعة بالتجول والتنقل بين الأحياء المدمرة، كأحياء الحميدية والجبيلة والمطار القديم والعمال، وذلك لقلة عدد السكان فيها وضعف قدرتهم الشرائية.