النفط... مرة أخرى

عدسة نوار | خاص عين المدينة

حسن فناد

يطلق الديريون، ريفاً ومدينة، مدنيين وعسكريين، شتائم لاذعة بحق ممتهني الحرف النفطية الناشئة مؤخراً، في الاستخراج والنقل والتكرير. ولا يمر يوم على شخص في دير الزور إلا وقد تناول مرة أو مرتين حديث الساعة وقضية الرأي العام المحلي الأولى "لصوص النفط" كما يحب الناقمون على ظاهرة النفط العشوائي أن يسموا العاملين بهذا القطاع بمهنه المتعددة، التي تبدأ بالاستخراج وتنتهي بالتكرير أو محاولات التكرير بمطابخ البترول الحر العشوائية، التي انتشرت وما زالت تنتشر رغم ضخامة الجمهور المضاد وموقفه الداعي إلى إيقاف هذا العمل، هذا الموقف الذي ظهر في مرات كثيرة بأساليب مجابهة حادة وصلت إلى المنع بقوة السلاح، لتجلب في مرات أخرى ردود فعل شرسة أو دفاعات مستميتة من جانب المستفيدين الذين يعتبرون النفط وتكريره رزقاً مشروعاً كغيره من الأرزاق. ومن مظاهر الأذى المضافة إلى قائمة أضرار النفط الكبيرة، يبرز تلويث المياه بمخلفات التكرير الناتجة عن الورشات العشوائية التي تصفي النفط أو تحاول ذلك بطبخه أو حرقه إلى درجة الغليان. وعلى ضفتي الفرات، وضفته الشمالية (الجزيرة) بالتحديد، تنتشر عشرات الورشات البدائية التي أقيمت على الشاطئ النهري قصداً لتسهيل العمل بتخلص ٍسهلٍ من المخلفات، وذلك بتدفقها "وبالراحة" كما يسخر مهندسو المياه بمرارة من هذه الظاهرة الخطيرة.
وفي تطور لافت توقفت محطة تصفية المياه في بلدة ذيبان عن العمل لعدة أيام نتيجة ارتفاع معدلات التلوث في المياه الخامية المستجرة من النهر، وفق نتائج التحليل المخبري لعينة من المياه قام بتحليلها فنيو المحطة المذكورة، فقد أشارت إلى استحالة معالجة هذه المياه بأساليب أعمال التصفية المعروفة، إذ تعجز أحواض الترسيب وأعمال التصفية والتعقيم اللاحقة عن تنظيف المياه مما لحق بها من تغير خطير في المواصفات بتأثير المواد العضوية أو الكيماوية الناتجة عن التكرير، والتي تحول ماء الشرب بحد ذاته إلى مادة لا تصلح للاستخدام البشري. مما اضطر الأهالي في كثير من القرى والبلدات على طول الفرات إلى التخلي عن مياه النهر واستعمال مياه أنقى تجلبها صهاريج من عيون الماء القليلة الموجودة في البادية.
يقول علوان، وهو فلاح خمسيني ناقم على "حرامية المازوت" كما يسميهم: لقد لوث هؤلاء المجرمون الماء بعد أن لوثوا الهواء، إنهم قتلة وعملاء لبشار الأسد. وكالعادة، يقدم "النفطيون" في كل مرة ذات الحجج في معرض دفاعهم عن مهنتهم الوليدة: "وماذا نفعل؟ نريد أن نطعم أطفالنا. لولانا لتوقفت السيارات والجرارات ومحركات الري، ولولانا لاستطاع بشار الأسد أن يخنق الثورة ويشل تحركات الثوار".
ويسجل الظرفاء من المشتغلين بالبترول الخام ملاحظة مشاكسة: "ولماذا لم تحتجوا على عائلة الأسد التي سرقت النفط خلال أربعين عاماً؟ ومنعتنا من العمل فيه حتى كحراس أو خدم لمتعهديه! دعونا نعمل ونبني أنفسنا ولو لسنة واحدة". ورغم ذلك، يخلص المتابعون والمهتمون بهذا الموضوع إلى نتائج متفائلة، ترتكز إلى المحاولات الجادة والطموحة التي أخذت بالاتساع والتطور باتجاه مكافحة هذه الظاهرة. إذ تعمل المجالس المحلية للقرى والبلدات في ريف دير الزور، بتنسيق مع الكتائب والتشكيلات المحترمة من الجيش الحر، على التحضير لحملة كبرى تهدف إلى علاج هذه المشكلة وتنفيذ حلول واقعية لها على مراحل، تبدأ بوقف التكرير في المناطق السكنية المأهولة وتنتهي بالسيطرة الكاملة على الحقول والآبار النفطية، وبأقل قدر من العنف والتصادم.