النظام يستغلّ الحرب الدولية ليقوم بمجازر جديدة..

تحوّلت معظم المواجهات بين الثوّار وقوّات الأسد إلى جبهات ظلّ، ومعاركَ درجةٍ ثانية، من وجهة نظر مجمل وسائل الإعلام العالميّ، وخاصةً العربية منها، بعد أن بدأت طائرات التحالف الدوليّ بشنّ غاراتها على مواقع تنظيم "الدولة الإسلامية" في سوريا، ولا سيما في المناطق الشمالية الشرقية من البلاد. إلا أن تلك الجبهات (الثوّار في مواجهة النظام) جبهاتٌ حاضرةٌ بقوّة. وقد عزّزت حضورها خلال الفترة السابقة، لعدّة أسبابٍ، أوّلها تصعيد النظام عملياته العسكرية في الريف الدمشقيّ والشمال، محتمياً بغياب التغطية الإعلامية عن تلك الجبهات، ومستغلاً الانشغال الدوليّ بالحرب ضد التنظيم على الأرض السورية (الحرب التي حاول ملياً المشاركة فيها كطرفٍ من تحالفٍ دوليٍّ يقصف جماعةً متشدّدةً على أرض بلاده).
أما ثاني أسباب التصعيد العسكريّ في المناطق الخارجة عن إطار الحرب الدولية ضد تنظيم الدولة الإسلامية، فهو تهيؤ قوّات الثوّار، ضمن عدة فصائل ومناطق، لحملةٍ جديدةٍ يبغي النظام شنّها، والتأكيد على استمرار الثورة المسلحة خارجاً عن حدود الحرب الدولية تلك.

سراقب.. تحت مرمى طائرات الأسد

اكتفت طائرات النظام السوريّ بالعمل على هامش طائرات التحالف، ومحاولة عدم التدخل -الذي لم تسمح به الولايات المتحدة أصلاً- في مناطق أهداف التحالف الدوليّ، إلا في بعض المناطق القريبة من دير الزور. ولذلك ركّزت مقاتلات الميغ والمروحيات على محافظة إدلب، وخاصةً القرى الأكثر استقراراً ضمن منظومة المناطق المحرّرة. وكانت سراقب الهدف الأوّل، فكان نصيب المدينة غاراتٍ مكثفةً أدّت إلى مقتل حوالي خمسين مدنياً أغلبهم من الأطفال، غابت صور مجازرهم عن الإعلام الذي يراقب صواريخ التوماهوك.
وتابعت طائرات النظام قصفها للمدنيين متتبعةً طرق نزوحهم والمزارع التي حاولوا الاحتماء فيها من طغيان الميغ، فكانت الحصيلة شهداء جدد خارج المدينة، وفي قرية إحسم بالقرب من سراقب أيضاً.

الدخانية.. المشهد الغائب

كانت معارك الدخانية، بالقرب من جرمانا في ريف دمشق، بمثابة صفعةٍ قويةٍ تلقاها النظام بشكلٍ مفاجئ. ففي الوقت الذي حاول فيه الإعلان عن السيطرة على محيط المليحة ومداخل الغوطة الشرقية من طرف دمشق الجنوبيّ، كان تقدّم قوّات المعارضة، متمثلةً في عدّة فصائل منها الجيش السوريّ الحرّ والجبهة الإسلامية وأجناد الشام، مفاجئاً وسريعاً، إذ وصلت المعارك إلى أطراف جرمانا والدويلعة وإلى قرية الدخانية. فحاولت قوّات الأسد الحفاظ على الواقع الراهن، وتبريد الجبهات ريثما يبدأ طيران التحالف الدوليّ قصفه للشرق السوريّ، ليأخذ الجيش النظاميّ بقصف الدخانية بالأسلحة المحظورة دولياً، ومنها غاز الكلور السام، ما أدّى إلى مقتل وجرح مدنيين من البلدة. إلا أن تلك العملية لم تؤدِّ إلى تقدّم جيش النظام في المنطقة، فقد استطاعت قوّات الثوار صدّ محاولات التقدّم، والحفاظ على مناطق سيطرتها الجديدة في البلدة ومحيطها.
وتجلى الاستغلال ذاته في ريف حماة الشماليّ والشرقيّ، ومحيط حلب، حيث سجلت البراميل العشوائية المتفجّرة عودةً سريعةً إلى تلك المناطق، لتوقع العشرات أيضاً بين قتيل وجريح.
وبالطريقة نفسها استطاعت قوّات الجيش النظاميّ السيطرة على جزءٍ من مدينة عدرا شرق دمشق، مع تراجع قوّات المعارضة فيها إلى مناطق من الغوطة الشرقية.

القلمون.. انتصارات الكرّ والفرّ

بعد إنهاكٍ واضحٍ تعرّض له جيش الأسد وقوّات حزب الله اللبنانيّ في القلمون، نتيجة عمليات الكرّ والفرّ التي مارسها الجيش الحرّ في مختلف مدن وقرى المنطقة، كان لا بدّ للثوار من استعادة بعض النقاط لتكون بمثابة مناطق تمركزٍ وإدارات عملياتٍ في القلمون. وبالفعل، هذا ما تحقق خلال الأيام الماضية، عندما سيطر الثوّار على غالبية محيط بلدة عسال الورد، ما أجبر قوّات النظام وحزب الله على التراجع إلى مناطق باتت تقريباً تحت حصار الثوّار الموجودين في غالبية التلال القلمونية.