المخابر تؤكد إصابات الكوليرا في دير الزور.. ومستوصف واحد لكل (175) ألف نسمة في منطقة «قسد»

تُواجه الرعاية الصحية في دير الزور أزمة لا مثيل لها بين القطاعات الخدمية الأخرى. يكفي أن نذكر أن أكثر من 80 % من المُمارسين الطبيّين في أرياف دير الزور التي تقع تحت سيطرة قوات سوريا الديمقراطية في الضفة اليسرى لنهر الفرات المعروفة ب (خط الجزيرة) ليسوا من حملة الشهادات الطبية، وفي بعض الأحيان يفتقرون حتى إلى شهادة الدّراسة الثانوية.

 لم تُعلن السّلطات المحليّة المعنيّة بإدارة هذه المناطق، حتى الآن، أي برنامج لإعادة تأهيل المرافق الصحية أو تأهيل الكوادر البشرية العاملة في القطاع الصحيّ بشكل عام، وفي مراكز الرعاية الصحية الأولية بشكل خاص، على الرغم من إلمامها بمدى فداحة الوضع، من خلال النسبة المذكورة التي رشَحت عن أعضائها في المجلس المدني بديرالزور.

تضمّ منطقة سيطرة "قسد" في دير الزور، ستة مراكز ناحية وأكثر من ستين قرية، افتتحت فيها أربعة مراكز للرعاية الصحية الأولية (مستوصف) فقط، تعمل بإمكانيات ضعيفة، لخدمة (700) ألف نسمة تقريباً بين أهالي المنطقة ونازحين إليها من مناطق سيطرة النظام في الضفة اليمنى للفرات وفق تقديرات، بينما تتطلب المعايير الدنيا توفير مركز رعاية أولية فرعيّ لكل (5000) نسمة، وآخر رئيسيّ لكل (30000).

يعمل إلى جانب المراكز الصحية الأربع مشفى عموميّ واحد، مشفى الكسرة الواقع في الخط الغربي جزيرة (غرب مدينة ديرالزور على يسار النهر) الذي يُقدّم خدماته بالمجان، ويسعى العاملون فيه جهدهم لتغطية النقص الحاصل في تقديم الخدمات الطبية، لكنّ المشفى يفتقر إلى التجهيزات اللازمة التي تُؤكد تصنيفه كمشفى.

يعتمد سكان تلك المناطق أيضاً على تلقّي الخدمات العلاجية في عيادات الأطباء الخاصة، وفي المشافي الخاصة التي تتركّز في بلدات البصيرة والشحيل وذيبان في الخط الشرقي جزيرة (شرق مدينة ديرالزور على يسار النهر).

وبشكل عام، ورغم سوء واقع القطاع الصحي، إلا أن واقع الحال أفضل بكثير في الرّيف الشرقي جزيرة منه في نظيره الغربي.

بشكل طبيعي، وبناء على ماسبق، فإن دير الزور تُعاني من اجتياح الأمراض السّارية والمُزمنة لها، وتُعتبر مرتعاً خصباً لنموّ السلالات الجرثومية المُقاومة للصّادات الحيوية التقليدية التي يتم تداولها بين السكان دون اللجوء إلى عيادات الأطباء التخصصيين أو مراكز الرعاية الصحية المُختصة.

وبحسب أحد الصيادلة القِلّة العاملين في ريف دير الزور الغربي، فإن 90% من الأدوية التي يستخدمها المرضى في العلاج يتمّ شراؤها من الصيدليات بشكل مباشر وبدون وصفات طبية، حيث يعتمد المرضى، بسبب سوء أوضاعهم الاقتصادية من جهة وغياب الكفاءات الطبية من جهة أخرى، على الأدوية الموصوفة من قبل العاملين في الصيدليات، الذين، وبحسب ذات الصيدلي، يمتهنون مهنة الصيدلة دون مُؤهلات علمية، يُدلّل على ذلك أن ثلاثة صيادلة فقط يُديرون صيدلياتهم بشكل مباشر، من أصل ثلاثين صيدلية في الريف الغربي تُدار من أشخاص غير مؤهلين.

تغزو طفيليات اللشمانيا المُسبّبة لداء اللشمانيا قُرى الريف الغربي لدير الزور. ومن المعلوم أن بيئة تفتقر حالياً لآليات التعامل مع النفايات وشبكات الصرف الصحي هي بيئة فُضلى لانتشار ذبابة الرمل، الحامل الرئيسي لطفيل اللشمانيا، وهذا ما ينطبق على دير الزور، حيث سُجّلت آلاف الحالات على امتداد الأشهر الماضية، يُضاف إليه ضعف خبرة الكوادر الطبية في التعامل مع العلاجات المتوفرة لداء اللشمانيا، المُتمثلة بحقن (الغلوكانتيم) التي تحتاج لأيدي مدربة تحقنها على حواف الآفة التي تصيب المناطق الجلدية المكشوفة من جسم الإنسان وبخاصة الوجه.

وكذلك فإن بلدة حطلة، على الضفة اليسرى للنهر، الخاضعة لسيطرة قوات النظام والميليشيات الشيعية باتت بؤرة لانتشار أمراض الجهاز الهضميّ، من إسهالات مائية والتهابات أمعاء، ولأمراض جلدية متعددة، نتيجة تلوّث مياه الشرب وتوقف محطّات تعقيم المياه عن العمل وعدم وجود نقاط طبية تُعنى بالقاطنين هناك، فاستقبل (مشفى الأسد) في مدينة دير الزور، خلال شهر أيار المنصرم، 29 حالة إسهال مائيّ حادّ مصدرها بلدة حطلة، بحسب أحد العاملين في المشفى.

تبدو الطّامة الكبرى الآن المُهدّدة لحياة الناس في دير الزور انتشار الكوليرا، إن كان في المخيمات التي تُدار من قبل مجلس دير الزور المدني، أو بين المجتمعات المُضيفة في قرى الريف الغربي جزيرة، حيث سجّلت الكثير من الأعراض التي يُعتقد أنها أعراض تعود لمرض الكوليرا، وتؤكد النتائج المخبرية من تحاليل الدم وزرع البراز هذا الاعتقاد، مما يُنذر بكارثة تهدد بانتشار المرض بسرعة أكبر بين الناس، خاصة وأن نسبة لا تتجاوز 7% من حاملي جرثوم الكوليرا يشعرون بأعراض المرض الحادّة، ما يعني أننا أمام مئات الإصابات بالكوليرا في دير الزور.

 على أن الوضع لم يكن أفضل حالاً بكثير في السابق، فقبل انطلاق الثورة السورية، كانت الحكومة السورية أعدّت برنامجاً للرعاية الصحية في ريف دير الزور، يتضمن تصميم شبكة من المراكز الصحية الأولية المُدارة من قبل الحكومة، غير أن الخدمات في هذه المراكز كانت فقيرة جداً، وفي أغلب المراكز الصحية الريفية كان الدوام يقتصر على يوم واحد من أيام الأسبوع، وحتى في هذا اليوم فإن خيار العلاج في أحد المراكز الصحية الحكومية هو الخيار الأخير بين خيارات السكان، نظراً لرداءة الخدمات المُقدمة في المراكز وقلة خبرة الكوادر العاملة. وتُقدّم مراكز الرعاية الصحية الأولية عادة خدمات التلقيح والتصوير الشعاعي وإعطاء الأدوية بالمجان والاستشارات النسائية واستشارات الأطفال على الأقل، ومكافحة الإسهال والأمراض السارية.