- Home
- Articles
- Radar
اللاجئون العراقيون في المناطق السورية الخارجة عن سيطرة النظام
منذ صيف 2014، بعد تمدد تنظيم داعش وسيطرته على مساحات شاسعة في سورية والعراق وإزالته الحدود بين البلدين، نشأت ظاهرة لجوء جديدة للعراقيين نحو سورية.
وقد تمثل اللجوء، أول الأمر، في آلاف الهاربين من التنظيم من أبناء الطائفة الإيزيدية بعيد اجتياح داعش لجبل سنجار معقل الطائفة. كما رأت كثير من العائلات، في محافظات الأنبار والموصل وصلاح الدين، في سيطرة داعش نذير حرب وأهوال قادمة، فاستبقت الأحداث بالرحيل، ووجدت في سورية طريقاً سهلاً إلى تركيا. بينما وجد تجار عراقيون في إزالة الحدود فرصة سانحة للعمل بين البلدين. وحين قادت الولايات المتحدة الأميركية، في أيلول 2014، تحالفاً عسكرياً دولياً ضد التنظيم، نقل العشرات من قادته العراقيين عائلاتهم إلى مدن دير الزور وبلداتها وقراها، حيث لا يعرف هوياتهم أحد، تجنباً للرصد والملاحقة والاستهداف.
في العام التالي استمرت موجات اللاجئين العراقيين، وشكّل التركمان الذي يقصدون تركيا عبر الأراضي السورية أغلبيتهم. ولم تتسع ظاهرة العراقيين المقيمين في سورية إلا في العام 2016، عندما بدأ الجيش العراقي وميليشيات الحشد الشعبي هجمات واسعة وبالتتالي على المدن الخاضعة لسيطرة التنظيم. وحتى اليوم ما تزال موجات اللاجئين العراقيين تصل إلى بعض القرى والبلدات شرقي محافظة دير الزور، رغم تردي الظروف الأمنية والاقتصادية والخدمية فيها.
في بلدات وقرى مثل أبو حردوب وأبو حمام والكشكية وغرانيج وهجين والسوسة، وفي مقابلاتها على الضفة اليمنى لنهر الفرات، وصولاً إلى مدينة البوكمال شرقي دير الزور، يقيم اليوم بين 10 إلى 20 ألف عراقي، حسب تقديرات محلية. كانت أعدادهم أكبر، لكن التدهور المتصاعد الذي شهدته دير الزور منذ مطلع هذا العام دفع كثيراً منهم إلى المغادرة، في الطريق والوجهة ذاتها التي يقصدها النازحون السوريون.
بحسب علي، وهو من مدينة البوكمال، فإن نسبة كبيرة ممن بقي من العراقيين موالون لداعش أو أقرباء من الدرجة الأولى لقادة أو لعناصر بارزين في التنظيم. «الدفعات الأخيرة منهم تابعين لداعش حتى لو كانوا مدنيين»؛ يضيف الشاب الذي تعرض مرة للاعتقال في سجون التنظيم بعد شجار مع نازح عراقي. يتنصل أبو أثير، وهو عراقي قارب الخمسين عاماً، من أي صلة تربطه بالتنظيم، أمام جيرانه في بلدة هجين. ويقسم أنه لولا خشيته من انتقام «الحشد الشيعي اللي يعتبر السنّة كلهم دواعش» لما خرج من قريته قرب الموصل رغم القصف. رواية أبو أثير يكررها عراقيون كثر لكن شكوك الأهالي تظل تلاحقهم، ربما بسبب المعاملة التفضيلية التي يحظون بها من التنظيم (انظر مادتنا: العراقيون نازحو داعش المدللون). فهم، كما يقول علي الذي وصل بعد رحلة شاقة وطويلة إلى اعزاز: «مدللين. دواعش مو دواعش، كلهم مدللين». ولكن محمود (اسم وهمي من هجين) يخالف النظرة السائدة إلى العراقيين في دير الزور، ويرفض التعميم بأنهم موالون للتنظيم، ويستشهد بحالات اعتقال العشرات منهم، والعوز والفاقة اللذين يعانيهما كثير من العائلات التي تقطعت بها السبل، فلا هي تستطيع العودة إلى بيوتها في العراق ولا هي تستطيع تحمل تكاليف النزوح والتهريب مرة أخرى. وينصح معلم مدرسة سابق، عايش العراقيين في بلدته غرانيج قبل تمكنه من الوصول إلى مخيم نازحين قرب الحسكة، بعدم أخذ الجميع بـ«جريرة الحثالة... منهم الطيب ومنهم الداعشي الخبيث»، حسب المعلم الذي يذكّر بمشكلة أخرى ذات صلة بظاهرة العراقيين الدواعش في دير الزور، وهي زواج بعضهم من سوريات. ويتساءل عن مصير هذه الزوجات عاثرات الحظ.
يلعن تاجر سابق من الخالدية في الأنبار داعش، سراً وأمام عدد محدود من السوريين الذين يثق بهم في محل إقامته الحالي قرب البوكمال، لأنها تجلب الخراب أينما حلت، حسب قوله، ولأنه خسر كل ما يملك بالغارات التي دمرت بيته ومحله ومخزن بضاعته، ليخرج صفر اليدين من بلده صيف العام الماضي. كف التاجر عن محاولاته الهروب من مناطق سيطرة داعش قاصداً تركيا، وهو يفكر اليوم في العودة إلى العراق.
أقام أبو الزهراء مع عائلته في السكرية على أطراف البوكمال، هو عضو في التنظيم غير أنه لم يبد أي أعمال واضحة له في محال إقامته الجديد، بعد أن جاء قبل أشهر من الشرقاط في العراق. مؤخراً اختفت عائلته ثم انتقل للإقامة في مكان آخر. يقول بعض الجيران إنه أرسل زوجته وأطفاله مع النازحين إلى مخيم الهول، ومن هناك ستذهب إلى إقليم كردستان العراق. وبالفعل فقد هرّب كثير من عناصر داعش العراقيين زوجاتهم وأطفالهم إلى مناطق «قسد»، ومنها تحاول بعض العائلات دخول العراق مرة أخرى إلى كردستان، فيما تسعى الأغلبية في الطريق المعتاد إلى تركيا.
يعدّ مخيم الهول للنازحين، جنوب شرق الحسكة، أكبر مستقبل للاجئين العراقيين. ووصلت أعدادهم فيه، حسب تقارير صحفية مطلع العام الجاري، إلى أكثر من 15 ألفاً، فضلاً عن آلاف من السوريين. ولكن الأعداد تناقصت مع ظهور مخيمات أخرى وتعدد طرق الهروب من مناطق سيطرة داعش. وخلال الشهر الأخير لوحظ في مخيم عين عيسى، شمال الرقة، ارتفاع نسبة العراقيين مجدداً في موجات القادمين من دير الزور. ومثل غيرهم يفضّل معظم العراقيين مغادرة المخيمات في أقرب فرصة نحو مناطق سيطرة الجيش الحر شمال حلب، ومنها -إن استطاعوا- يدخلون تهريباً إلى تركيا.
قرب قرية «ايكدا»، على الحدود التركية شمال حلب، يقيم أكثر من 5 آلاف لاجئ عراقي من التركمان في مخيم ترعاه جمعيات خيرية تركية، حسب تقديرات من مدينة اعزاز. إذ لم تتمكن «عين المدينة» من زيارة المخيم، لكنها زارت فندقاً في اعزاز أسماه صاحبه «تل عفر»، نسبة إلى المدينة العراقية وجذباً للزبائن العراقيين. في واحدة من غرف الفندق يقيم أربعة شبان وثلاثة فتية، وطفل جاء يزورهم من البيت الذي نزلت فيه نساء العائلة ضيفات على أقارب. اعزاز محطة انتظار ريثما تتاح الفرصة لاستئناف الرحلة، وهو انتظار قد يطول لأشهر لا بد خلالها من العمل بأي شيء، حسبما يقول أحد الشبان الذي يعمل في بيع المحروقات لتأمين «مصروف هالقعدة الطويلة على الأقل»، وكذلك يعمل الثلاثة الآخرون في فرن وورشتي إكساء وبناء. تحدثوا عن طريق طويل ومعقد سلكوه من تل عفر، ومبالغ كبيرة دفعوها بين أجور للمهربين ورشاوى لحواجز القوى المختلفة التي مروا بها. ولأنهم تركمان يأملون في تسهيلات للدخول ثم للإقامة في تركيا. «من شهرين كان بي ألف عيلة تركمانية بإدلب، هسع بقوا ميتين»، يقول بائع المحروقات. ويقدر أقاربه الثلاثة عدد العائلات التركمانية في محافظتي حلب وإدلب بأكثر من 1700 عائلة.
في ساحة وسط مدينة سلقين يتجمع العراقيون مساء كل يوم، للتسلية وتتبع الأخبار القادمة من بلادهم، فضلاً عن أخبار الحدود والتهريب، وبحثاً عن شبكة إنترنت من المحلات المطلة على الساحة التي تجتذب سماسرة عقارات ومهربين ومزوري أوراق رسمية يجدون دوماً زبائن في أوساط العراقيين. في أوقات الصفاء، بعد أن تهدأ الحركة في الساحة، يتذكر الرجال الأكبر سناً حكايات من زمن صدام حسين ويبدون حنيناً لأيام الاستقرار تلك، قبل أن تأتي أميركا وتأتي إيران وتأتي داعش. وبتحفظ لا يلبث أن يتبدد حالما يشعرون بالثقة تجاه الغريب، يبدي الشبان الأصغر إعجاباً بطولياً بداعش، ويلقون باللائمة على «الخونة والسرسرية» الذين انخرطوا في صفوف التنظيم فشوهوا صورته وجعلوه مكروهاً في عيون الناس، حسب ما يقولون.
ترى تقديرات أن عدد العائلات العراقية في سلقين وحدها يزيد على 500 عائلة، فضلاً عن مئات العائلات التي تقيم في البلدات والقرى الحدودية الأخرى، مثل حارم وسرمدا وأطمة وغيرها. وكذلك يلحظ في معظم مخيمات النازحين الحدودية وجود عراقيين يعاني كثير منهم الفقر والحاجة وليس لهم أي مورد سوى ما تقدمه لهم منظمات الإغاثة وحسنات الأهالي في القرى القريبة وجيرانهم السوريون في المخيمات.