الكراهية التي تصنع الموت (عن معاناة اللاجئين السوريين في تركيا مع خطاب الكراهية)

من إحدى التظاهرات في أنقرة - Reuters

عشر سنوات مرت على عمر اللجوء السوري إلى تركيا. لم تكن حادثة ألتن داغ الأولى ولن تكون الأخيرة، هناك العديد من قصص السوريين مع العنصرية، ومعاناتهم مع صعوبة الاندماج وقبول المجتمع التركي، تفاصيل كثيرة تبقى موجودة في حكاياتهم وغربتهم المريرة والموجعة.. إلا أن ازدياد وتيرة خطاب الكراهية في الآونة الأخيرة يدق ناقوس الخطر.

التراكمات الخطيرة في جنوح بعض السياسيين والشخصيات العامة التركية نحو تبني خطاب يعادي وجود اللاجئين، ساهم إلى حد بعيد في تأجيج الشارع التركي، مما دفع الكثير من المواطنين الأتراك مثلاً إلى العزوف عن تأجير السوريين (أو أجانب) العقارات، أو رفض التعامل معهم أساساً، الأمر الذي يدعو إلى الوقوف على أهم أسباب تزايد ظاهرة العنصرية لدى المجتمع التركي تجاه اللاجئين السوريين، والبحث عن قرب في الأوضاع الخاصة بالسوريين سواء القانونية أو الاجتماعية أو السياسية.

القانون التركي واللاجئون السوريين:

عين المدينة تحدثت إلى المحامي السوري "غزوان قرنفل" مدير تجمع المحامين السوريين، لاستيضاح بعض النقاط القانونية الخاصة بوضع السوريين في تركيا، فأشار إلى أن "السوريون مشمولون بقانون الحماية المؤقتة الصادر عن مجلس الوزراء التركي عام 2013، ولا أعتقد أن تركيا تستطيع منح السوريين وضعاً قانونياً أفضل، لأن قانون الحماية المؤقتة جاء نتيجة تدفق هائل للاجئين إلى الأراضي التركية، ولا يوجد حكومة حسب اعتقادي سواء الحالية أو القادمة تستطيع إلغاء القانون بجرة قلم وترحيل السوريين بشكل جماعي، لأن تركيا ملتزمة باتفاقات دولية وموقعة على مواثيق منها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، وتلك المواثيق تحظر إبعاد الناس قسراً في حال طلبهم للحماية والأمان".

وحول دور الحكومة التركية في التحرك لمواجهة ذلك الخطاب المتنامي، يقول السيد قرنفل أنه وبعد موجة العنصرية الأخيرة يجب على الحكومة التركية التحرك قضائياً لمحاسبة المحرضين وأصحاب خطاب الكراهية، لأن القانون التركي يحظر خطاب العنصرية والكراهية؛ وفي ذات السياق على المجتمع الدولي الالتزام بواجباته ومساعدة تركيا على محاربة السلوك العنصري المتزايد في الشارع، وذلك من خلال تغيير طريقة تعامله مع قضية اللاجئين السوريين واستثمار الأموال المرصودة لهم لفتح مشاريع اقتصادية تشغل عدداً كبيراً من الشباب، وتساهم بشكل أنجع بإعالة الأسر الفقيرة والمتوسطة، وذلك سيكون أفضل من المساعدات الغذائية والعينية، وسيحد من التوتر العنصري في الشارع التركي.

الإعلام التركي وتوجيه الشارع:

منذ سنوات يقوم جزء من الإعلام التركي بمحاولات متكررة لتشويه صورة اللاجئ بشكل عام، ويركز على بعض السياسيين المعادين لسياسة الهجرة واللجوء. أثّرهذا التوجه الإعلامي بشكل سلبي على المواطنين الأتراك، وبات ينظر إلى اللاجئ على أنه متخلف ويتأخر عن الأتراك بنحو ثلاثين عاماً، حسب وصف أحد السياسيين الأتراك متحدثاً عن السوريين بالتحديد. ولكن يوجد جزء آخر من الإعلام يدافع عن وجود اللاجئين وينبذ خطاب الكراهية.

الإعلامي التركي المعروف "حمزة تكين" يرى أنه من الطبيعي جداً أن تحدث إشكالات معينة بين جزء من السوريين وجزء من الأتراك، وأن هناك عدد هائل من السوريين في تركيا (حوالي 3.6 مليون نسمة)، ونظراً لذلك العدد الكبير فأن حالات المشاجرة والاعتداء تبقى صغيرة، "ولكن وللأسف يوجد محاولات لتضخيم الأمور من قبل جزء من الإعلام التركي وجزء آخر من الإعلام العربي أيضاً، والهدف زرع الكراهية والتفرقة بين الشعبين الجارين، والمبالغة لأهداف خبيثة من قبل الإعلام الأصفر لتشويه صورة تركيا وشعبها" حسب وصف السيد تكين.

يدافع بشكل مستمر بعض المسؤولين الأتراك عن وجود اللاجئين السوريين، أبرزهم وزير الداخلية التركي "سليمان صويلو"، والذي يبرر خيار بلاده باستقبال اللاجئين السوريين بالقول أنهم "أخوة وجيران"، يقابله خطاب متعصب من قبل قيادات المعارضة التركية، والتي تدعو بشكل دائم لترحيل السوريين والضغط عليهم كي يعودوا لبلادهم المدمرة والغارقة بالفوضى والخراب. وفي سياق حديثه لعين المدينة يضيف حمزة تكين أن المعارضة التركية تحاول عبر تبنيها لخطاب العنصرية والكراهية ضد اللاجئين استغلال ذلك الملف سياسياً لأغراض انتخابية بحتة، وهي (أي المعارضة) لا يمكنها بأي حال من الأحوال لو وصلت للحكم أن تطرد اللاجئين السوريين، لأن تركيا ملتزمة باتفاقات وتعهدات أممية ودولية.

وبحسب السيد تكين فإن تركيا تحتضن السوريين، والحكومة التركية تناهض خطاب الكراهية والعنصرية وتحاول زجره عبر القضاء التركي، وأشار إلى وجود "بعض ضعاف النفوس من الطرفين (التركي والسوري) يسعون لضرب التعايش الداخلي التركي ويحاولون تغذية النزعة العنصرية" ودعا لقطع الطريق عليهم وإفشال مشاريعهم السيئة حسب وصفه.

في تقرير مطول ومشترك بين مؤسسة "هاينريش بول" الالمانية ومؤسسة وقف الأبحاث الاجتماعية والاقتصادية والسياسية التركية صدر عام 2020، رصد معدوه رأي شريحة واسعة من المواطنين الأتراك في ولاية إسطنبول التي تحوي العدد الأكبر من السوريين في تركيا، وحسب التقرير فإن الآراء المستطلعة يغلب عليها الرأي الذي يقول بأن اللاجئين هم "عبء اقتصادي وهم يحصلون على معاملة تفضيلية مقارنة بالأتراك، ويميلون إلى اعتبار أن السوريون يشكلون تهديداً من الجهة المادية والمعنوية، وأنهم يقللون من فرص العمل ويخلون بالتوازن السكاني من خلال إنجاب العديد من الأطفال، ويهددون نمط الحياة الحديث ويجعلون من الصعب الاستفادة من الخدمات العامة، كما يزيدون من حالات الاعتداء الجنسي ضد النساء والأطفال ويشكلون خطر الإرهاب؛ ويؤثرون على نتائج الانتخابات من خلال التصويت"!!

تلعب الهوية المشتركة القائمة على أساس الدين دوراً هاماً في تشكيل التصور الثقافي للسكان المحليين تجاه اللاجئين، ولكنها لا تبدو كافية لمنع التصورات السلبية عنهم، ومن الواضح أن هناك مشاعر سلبية إزاء اللاجئين عموماً تغذي مشاعر سكان اسطنبول. ويظهر البحث أيضاً أن احتكاك الأتراك في إسطنبول مع اللاجئين محدود، على الرغم من الوجود الكبير للسوريين في مدينتهم، لهذا السبب يتضح أن آراء السكان المحليين وانطباعاتهم مبنية على الأقاويل أو على الأخبار المتداولة في وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي.

يخلص البحث في نهايته إلى جملة من التوصيات كان أبرزها: أنه يجب على الحكومة التركية تعديل وضع الحماية المؤقتة ليشمل الحق في العمل دون طلب تصريح أو إذن عمل، وزيادة دورات تعليم اللغة التركية ومساعدة اللاجئين البالغين على الاندماج بشكل فعال، وتجريم خطاب الكراهية.

حاولت عين المدينة التواصل مع مكتب السيد وزير الداخلية التركية للتعليق على ما ورد في المادة، ولتوضيح بعض النقاط الجدلية حول وضع اللاجئين السوريين في البلاد ولم نتلقَ أي رد حتى لحظة إعداد هذا التقرير.

الإعلام السوري البديل وطريقة تعاطيه مع العنصرية تجاه السوريين:

حاول على مايبدو الإعلام السوري البديل التعاطي بحيادية إزاء ما جرى ويجري بحق اللاجئين السوريين في تركيا، كون أغلب هذا الإعلام يتمركز في تركيا ويعمل من أراضيها، ومع فشله في إيجاد طريقة للتوجه إلى الشارع التركي ومخاطبته مباشرة بقي يتوجه إلى السوريين والعرب فقط والذين بدورهم يملكون قناعة ثابتة حول الأمر على الغالب.

الصحفي السوري السيد "جمال مامو" يقول أن الإعلام البديل لم يتعامل بشكل صحيح مع موجات الكراهية المتتالية، بل اعتمد أسلوب ردود الأفعال ولم يهتم بالتوجه إلى الرأي العام التركي، واكتفى بتوجيه رسائله ومواده المناهضة لتلك الموجات إلى الشارع العربي والسوري تحديداً، وهذا خطأ كبير حسب وصفه.

يقترح مامو إنشاء منصات إعلامية سورية ناطقة باللغة التركية بهدف مواجهة خطاب الكراهية ضد اللاجئين السوريين، والتوجه إلى ضمير ووجدان الشارع التركي، وذلك عبر خلق تجمعات مشتركة سورية-تركية تجمع الصحفيين والإعلاميين من الجانبين، وفتح خطوط اتصال مع شخصيات ومشاهير لها تأثيرها على الرأي العام التركي، وأدراك التمايز الموجود بين التيارات والأحزاب التركية.. "بتلك الخطوات نتمكن من درء خطاب الكراهية ومحاربته والتواصل بشكل أكبر مع الشارع التركي وبيئاته المختلفة" حسب مامو.

إلى حين إحلال السلام في سوريا ووقف الحرب قد تتكرر حادثة ألتن داغ، وقد يضطر السوريون إلى دفع ثمن تهجيرهم ولجوئهم، ولا بديل عن خطوات ملموسة وجدية من جميع الأطراف لتلافي الأسوأ، ولا بد من احتواء أزمة اللجوء السورية المأساوية والمستمرة منذ عشر سنوات مع غياب تام لأي أفق للحل أو ضوء في أخر نفق التراجيديا السورية.