العمالة في إدلب بين قلة الفرص وجشع أصحاب العمل

بعدسة الكاتب

كان لتوجه مئات آلاف العوائل المهجرة والنازحين من المحافظات والأرياف المجاورة إلى إدلب أن أخلّ بسوق العمل في المحافظة، بتوفير الأيدي العاملة المحتاجة للعمل بشكل كبير في الوقت الذي تراجعت فيه مصادر الدخل والمشاريع الحيوية، تلك الفجوة وصلت بالأمور إلى الحد الذي لم يترك أي مجال (لمناورة عمالية) لأنها ببساطة ستودي بأصحابها إلى الطرد.

تجاوز عدد السكان في الشمال السوري (محافظة إدلب وريف حماه المحرر) 3,5 مليون نسمة، وبلغت نسبة البطالة 80 بالمئة، وفق إحصاءات (منسقي الاستجابة في شمال سوريا)؛ ربما كانت هذه الأرقام كافية لتكوين صورة عن الحال التي وصلت إليه سوق العمل في هذه المناطق.

يمكن البحث عن أسباب شح المشاريع الكبيرة -ومصادر الدخل على العموم- في حالة عدم الاستقرار التي تشهدها المنطقة منذ تحريرها، أما في الماضي فكان اعتماد الأهالي على عدة مصادر دخل أبرزها المواسم الزراعية، والتي تتركز في منطقة سهل الغاب في ريف حماة وحتى أطراف ريف إدلب الجنوبي، ويعد سكان هذه المنطقة من أصحاب الأراضي الذين اضطروا مع احتدام المعارك على أطراف إدلب وريف حماة إلى ترك أراضيهم والنزوح إلى المخيمات.

كما يعتمد الأهالي في المنطقة الوسطى على مواسم الكرز والتين والزيتون لكنها لا تعتبر دخلاً رئيسياً، إذ يلجأ الكثيرون للسفر إلى المحافظات الكبرى (حلب ودمشق) للبحث عن العمل، أو السفر إلى خارج سوريا خاصة لبنان والسعودية، ويمكن النظر إلى أبناء هذه الفئة على أنهم الأكثر تأثراً وتراجعاً لدخولهم بسبب أجواء الحرب التي تسببت باحتجازهم ومنعهم من التنقل والسفر الموسمي.

بينما يتركز أصحاب الصناعات الخفيفة والمحلات التجارية في المدن الرئيسية للمحافظة (إدلب المدينة والمعرة) ولا يزال أبناء هذه الفئة -المعتمدة على القطاع الخدمي في دخلها- يعيشون حالة مستقرة نسبياً، ويتمتعون بدخل جيد نتيجة ازدهار أسواق المنطقة بعد توافد ملايين المهجرين إلى المنطقة.

فرص العمل المتوفرة

بعيداً عن الأعمال العسكرية وما يتعلق بها من مهن، باتت فرص العمل في الغالب مقتصرة على المواسم الزراعية التي لا تتجاوز بضعة أشهر، فموسم الزيتون شهران وحصاد الحنطة لا يتجاوز الشهر، وضمن هذه الفترة تتوفر الفرص لأيادي عاملة تكد وتعمل دون أن تنصف بمقابل منصف.

أبو محمد معيل لأسرة من أربعة أطفال، يعمل منذ الساعة السابعة صباحاً وحتى الساعة الثالثة بعد الظهر في جني محصول الزيتون كأجير باليومية (مياوم)، أجواء البرد وعدم الراحة سوى لنصف ساعة لتناول "لقمة" يجلبها العم أبو محمد معه تجعل العمل شاقاً جداً، في حين لا يعوض الأجر الذي يحصل عليه آخر النهار تعبه؛ "1800 ليرة سورية لا تكفي لشراء أغراض طبخة واحدة" يقول أبو محمد، الذي قد يخسر عمله في حال اعترض على الأجر أو عدد الساعات، وأول كلمة يسمعها من صاحب العمل "ألف واحد عم يدور على شغل، وانعرض علي عمال بأجرة أقل".

بينما يعمل سامر (25 عاماً) سبع ساعات يومياً في نجارة الباطون، ويتقاضى 2000 ليرة كأجر؛ "لم أعتد على هذه المهنة، كنت أدرس قبل الثورة، لكن الظروف أجبرتني على العمل" قال سامر، الذي تتلخص مهمته في تنظيف الأخشاب ونزع المسامير منها وجمعها؛ "العمل محدد ب 7 ساعات مبدئياً، ولكننا نعمل في كثير من الأحيان حتى منتصف الليل إذا كان لدنيا تجهيز سقف جديد" يوضح محدثنا الذي تابع قائلاً "ساعات العمل تزيد أما الأجرة فثابتة".

عمير مهجر من داريا استطاع الحصول على فرصة عمل في مكتب للحوالات بدوام جيد، لكنه لم يستمر بالعمل لأكثر من شهر؛ "عندما بدأت بالعمل لم أسأل عن الأجرة، ولكن لم يخطر ببالي أن أتقاضى أقل من 100 دولار شهرياً” يشرح عمير بساطة قناعاته قبل الدخول إلى سوق العمل. موضحاً أن "رزم الدولارات كانت تتطاير أمامي، فالمكتب الذي عملت فيه يعتبر من أضخم محلات الصرافة والحوالات، ولكن أجرتي كانت بالليرة السورية وهي 1000 لليوم الواحد، والعطل غير مأجورة". صاحب العمل لم يقبل النقاش مع عمير حين طالب بزيادة الراتب، كان رده مقتضباً "عنا شغيل أكبر منك وصارلو 5 سنين معنا وبياخد 1400 بالأسبوع" ما دفع عمير لترك العمل.

الدولار رفع كل شيء عدا الأجر

تناقصت القيمة الشرائية لليرة السورية أمام ارتفاع أسعار السلع والخدمات، حتى تجاوز مستوى التضخم منتصف السنة الماضية 790 بالمئة بحسب إحصاء المكتب المركزي للإحصاء التابع للنظام، فتأثرت أسعار جميع أنواع المواد بالارتفاع أضعافاً، في حين لم تختلف الأجور باختلاف الواقع.

الصحفي أسامة الشامي قال بأنه أثناء عمله يتعرض لبعض الأفكار كتراجع بعض المهن أو المشاريع التجارية، وأثناء الحديث مع أصحابها يشتكون من عدة ظروف كغلاء المواد وقلة الطلب بالإضافة إلى غلاء اليد العاملة، الأمر الذي يتوقف عنده أسامة مطالباً محدثيه بأرقام وإحصائيات فيقفون دون إجابة.

"نستطيع القول إن كثرة اليد العاملة يمكن أن تقلل من أهميتها، ولكن جشع أصحاب العمل عامل أساسي في تدني الأجور” يوضح أسامة، ويردف "دائماً يحتج التاجر أو المزارع عندما يرفع سعر سلعته بارتفاع الدولار، وبالتالي فإنه يستوفي حقه وينسى حقوق العامل الذي لا يزال أجره على حاله، و بالليرة السورية التي أصبحت إلى حد ما معدومة القيمة"

أما السلطات الحاكمة التي تفرض سيطرتها على محافظة إدلب (هيئة تحرير الشام) فتشرّع قرارات وقوانين يغلب عليها الصفة الأمنية، في الوقت الذي لم يتطرق جهة تابعة لها لموضوع العمالة لحده بنظم وتوجيهات من الممكن أن تحفظ حقوق العمال المهدورة.