الطاولة الروسيّة الأمريكيّة... رسم جنيف2 بدُمى النظام السوري والائتلاف

يـدرك جون كيـري، وزيــــر الخارجـية الأمريكــــيّ، جوانب ضعف الائتلاف الوطني السوري تماماً. وكالعادة استبدل كيري الحديث الجوهريّ بتوجيه الطلبات للائتلاف، بهدف وضعه في المربع  الضعيف، وهو المربع الذي لم يتمكن الائتلاف من مغادرته إلى الآن. فكانت أوضح المطالب هي أن يصرّح وبشكلٍ علنيٍّ عن موقفه من الفصائل المعارضة المسلحة، أي أن يحدّد مدى تأثيره عليها. فأيّ اتفاقٍ قد يصل إليه مؤتمر جنيف2 لا بدّ للائتلاف من الالتزام به، فهل يمكن له أن يفرض على الفصائل المقاتلة الالتزام هي الأخرى بهذا الاتفاق، كوقف إطلاق النار مثلاً؟! وهو ما يقصده كيري بالضبط، وخاصة بالنسبة لجبهة ثوار سوريا والجبهة الإسلامية وباقي تشكيلات الجيش الحرّ. فإما أن يكون الائتلاف هو الموجّه والمحرّك لهذه التشكيلات وإما أن يأخذ موقفاً جدياً وحازماً نحوها، ويتمّ التمييز بين الفصائل التي ستلتزم بمقررات المؤتمر وتلك التي لن تلتزم به.
وفي اجتماعــــــه مع نظـــــيــــره الروسيّ سيرجي لافروف ومبعوث الأمم المتحدة الأخضر الإبراهيمي، لم يقدّم كيري جديداً في الموقف الأمريكي سوى بدعوة إيران إلى حضور مؤتمر جنيف. هذه الدعوة، التي طالما وجدتها روسيا ضروريةً، لم يجد فيها البيت الأبيض أية غرابةٍ، لأن هذه الدولة عنصرٌ فاعلٌ في القضية السورية، وطرفٌ يُحسب في صفّ النظام إن لم يكن ناطقاً بلسانه، وسلاحه على الأرض السورية كما هو الحليف الروسي. وبمجرّد اتفاق القيادتين الأكثر تأثيراً في الخطة الدولية بشأن سورية حتى هتف الإبراهيمي بضرورة حضور إيران وكأنه حلٌّ توصل إليه لإجلاس الأطراف على طاولةٍ واحدة، طاولةٌ ما زال النظام السوري وحلفاؤه هم من يضعون شروطها حتى الآن، وإن بشكلٍ غير مباشر. فمطالب الأسد التي يبثها الروس لم تأخذ بعين الاعتبار حتى الآن شروط الائتلاف بالالتزام بمقررات جنيف1، واستبعاد الأسد وأسرته عن أيّ مستقبلٍ لسوريا قد تحدّده نتائج المؤتمر، الذي تسبب بتجاذب وانقسام في المواقف في صف المعارضة وفي جمهورها وإن بدرجة أقلّ، إذ لم يُبدِ الرأي العام في المناطق المحرّرة أيّة حماسةٍ نحو هذا المؤتمر طالما بقيت طائرات الأسد تحلق وصواريخه تتساقط في المدن والقرى.

أصدقاء سورية

    لم يأتِ اجتماع أصدقاء سورية في باريس مؤخراً بأي تقدمٍ كما أشيع، وإنما أعلن بشكلٍ مباشرٍ أن أية طاولةٍ تجمع الروس والأمريكان باتت قادرةً على الخروج باتفاقٍ يرضي الطرفين، والمصاعب التي كانت تواجههما باتت خلف ظهري وزيري الخارجيتين، وبات الاتفاق على مجمل القضايا أحد أهم نتاجات القضية السياسية السورية في المحافل الدولية.
بينما يقف لوران فابيـــــــوس وخارجيته الفرنسية موقفاً أكثر اتزاناً، بشكلٍ يبدو معه أن الموقف الفرنسي بات في مواجهة اتفاقٍ روسيٍّ أمريكي. فإن لم يغب الأسد عن الخارطة السياسية السورية فهذا يعني بالنسبة لفرنسا أن أي اتفاقٍ دوليٍّ غير ذي جدوى.. ليبدو فابيوس وكأنه يغرّد وحيداً، أو أن هناك ما قد يجمعه بأمريكا خلف المنابر، ربما مساومةٌ جديدةٌ أو اتفاقٌ قد يرضي الطرفين بمعزلٍ عما يجري في سورية.

 

بوادر جنيف2

    ربمــا ما يحــاول اــروس والأمريكان رسمه اليوم ليس مخططاً لمستقبل اتفاقٍ سوريّ، بقدر ما هو إطارٌ عامٌّ قد تنتج عنه خارطة طريقٍ ستؤدي في نهاية الأمر إلى إخراج بشار الأسد وعائلته والحلقة الأولى الضيقة من ضباطه وأركان حكمه من السلطة في سوريا. ولم يتحدث أحدٌ عن جدولٍ زمنيٍّ لهذه الخارطة المحتملة، مع اهتمامٍ بالشؤون الإنسانية والإغاثية للمناطق المحاصرة، وكذلك بشأن المعتقلين في سجون نظام الأسد. ولابد لهذا الاهتمام الدوليّ أن ينعكس قريباً على صورة حلولٍ جزئيةٍ قد يوافق عليها النظام ليظهر مرونةً وتفاعلاً مع المجموعة الدولية. مع عروضٍ محتملةٍ من جانبه لهدنةٍ ووقف إطلاق النار، في ظلّ مناورةٍ يريد منها إضاعة الوقت والمماطلة وإحراج المعارضة وإبراز انقساماتها وتناقضاتها.