لا ريب في أنه كان من الرجال الذين يُعاش في أكنافهم، وعلى من يريد حماية نفسه من السقوط في مفاسد السياسة والاقتصاد أن يلوذ به غير مغادر له. عرفتُه يُراقب نفسه ويحاسبها على كل صغيرة وكبيرة، ولذا فإنك تجده في وجه من وجوهه أكثر ما يكون شبهاً بديوجين، لا سبيل لمباهج الدنيا إليه. ألم يقل الاسكندر: لو لم أكن الاسكندر لوددت أن أكون ديوجين؟ وربما أعجزُ عن إيفائه حقه، وأجد الكلمات تعجز بدورها عن رسمه وتدوينه، ففيه من السموّ ما لا تجده في غير الكتب التي تُعنى بشؤون أولئك المُصلحين الكبار.

إن كان من مأخذ على الرجل ففي اعتزاله الدنيا وما فيها، يُراقب الناس والأشياء من حوله فيرسم خطوطه، ويطلق على الملأ أفكاره من دون أدنى انحياز إلى هذه الجهة أو تلك.

سألته مع بداية النصف الثاني من عام 2012 عن مصير النظام فأجابني بأن هاويته قريبة وقريبة جداً. غير أن النظام استمر وخيّب أمله كما فعل مع كثير من المراقبين والمحللين. لم يتغير موقفه من الثورة وإن كان، منذ البداية، يرى أن الوقت كان مبكراً على قيامها، وأن شروط نجاحها غير متوفرة الآن، وأن النخب السياسية والثقافية لم تشتغل عليها جيداً، وأنها انشغلت في غير شؤون الثورة حتى وصل في أكثر من مرة إلى أنه لا نخبة بالمعنى الحقيقي، وأن الاشتغال على الناس لم يكن موجوداً، وأن الذي جرى أنه اشتُغل بالناس فكان الثمن فادحاً، وكنت أرى بدوري أن بعض هذا الرأي رأي مُشتغل بالثقافة لا بالسياسة.

وُلد الأستاذ عبد الغفور الشعيب عام 1944، درس الهندسة المدنية ثم تحول عنها إلى الفلسفة. حصل على ليسانس في الدراسات الفلسفية والاجتماعية من جامعة دمشق عام 1971. عمل لوقت قصير في المصرف التجاري السوري، ثم انتقل إلى العمل في المركز الثقافي بالرقة مديراً من العام 1975 إلى العام 1984، ثم أميناً للمكتبة في المركز ذاته حتى سجنه عام 1987 ثم عاد إلى العمل بالمكتبة عام 1988 بعد خروجه من السجن وحتى تقاعده سنة 2004.

خلال فترة رئاسته للمركز الثقافي قرر أن يجعل من الثقافة في مدينته النائية منارة للثقافة في سوريا، وفعلاً، أسس مكتبة تجاوز عدد عناوينها حتى خروجه على التقاعد أحسن من خمسة وأربعين ألف عنوان ما لبثت أن احترقت بقصف النظام عام 2013.

عمل على إقامة الندوة الدولية لتاريخ الرقة عام 1981 مع الراحل الدكتور عبد السلام العجيلي، وكان التعاون وثيقاً مع الباحثين الفرنسيين. كان منهم «جان نوييه» «مريم عبابسة» والمرحومة «صوفيا الفرا» التي أنهت دراستها عن الرقة، وتوفيت بحادث سيارة على الطريق بين دمشق وبيروت.  عمل على إقناع وزارة الثقافة السورية للعمل على ترجمة كتابها «الرقة وأبعادها الاجتماعية» إلى العربية وفعلاً تم له ذلك.

أسس النادي السينمائي، ثم أسس تجمع فناني الرقة عام 1976 وقام بدعوة كبار الفنانين للعرض في الرقة، وكان منهم على سبيل المثال فاتح المدرس وناظم الجعفري ويوسف عبد الكي، والربط بينهم وبين فناني المدينة. جدير بالذكر، في هذا السياق، أنه اتصل به ذات يوم محافظ الرقة الأمني بامتياز محمد سلمان يطلبه إلى مكتبه فأجابه معتذراً بأن اجتماعاً يربطه الآن بفناني الرقة.

وأختم بشيء مما قيل فيه

... «هو ضمير الكُتّاب أو موجّه وعيهم الأخلاقي والثقافي والفني في الرقة، بل لقد كان أحد ضمائر الرقة أو ضميرها_الثقافي الذي يجمعون عليه».

رحم الله الأستاذ عبد الغفور الشعيب