الصحافة: مهنة المخاطر في بلدٍ مضطرب!..

تنطوي التغطية الإعلامية على الكثير من الصعوبات والمخاطر في العديد من المدن والقرى السورية على وجه العموم، وفي البؤر الساخنة على وجه الخصوص.

وعلى الرغم من الكمّ الهائل من التحديات التي تعترض عمل الصحفيين المختصّين والناشطين، سواء من قبل النظام أو من عدم تقبل المجتمع للكاميرا وخاصّةً أثناء القصف، إلا أننا نجد كثيراً من الشبان السوريون لديهم رغبةٌ كبيرةٌ في السير في رحلةٍ طويلةٍ لامست حدود الموت والشغف.

ومن يراقب الوضع جيداً، منذ اندلاع الثورة وحتى اللحظة، يجد أن هناك تبايناً في حجم الصعوبات والتحديات التي واجهت عمل الصحفيين. ينقل الشاب أبو رعد الجبابي، الذي يعمل مصوّراً لدى «الجزيرة مباشر» منذ بدء الثورة، لمجلة «عين المدينة» معاناته وكاميرته مع عدم تقبل المجتمع لها من جهة، وملاحقة النظام له من جهةٍ أخرى، فيقول: «قبيل الثورة لم يكن التصوير إلا هوايةً لديّ. ولكن، ومع انطلاق الثورة في محافظتَي درعا والقنيطرة، بدأت العمل كمصوّرٍ صحفيٍّ بالرغم من ضعف الإمكانات؛ إذ لا أملك الخبرة الكافية، ناهيك عن نقص المعدّات اللازمة. ولكن مع الممارسة والاحتكاك مع ذوي الخبرة في مجال التصوير الصحفيّ، والأهم من ذلك إيماني بمبادئ الثورة، تشكلت لديّ القدرة الكاملة لنقل الصورة الأصلية للحدث، وزاد إصراري على إكمال رسالتي التي بدأتها». يؤكد أبو رعد أنه واجه الكثير من المتاعب والصعوبات، فمن جهةٍ -ومنذ البداية- لاحق النظام كلّ من يحاول نقل ما يجري، ومن جهةٍ أخرى نلحظ عدم تقبل المجتمع للكاميرا. موضحاً: «أصبحنا نتعرّض لاتهاماتٍ منها بأننا نتاجر بالثورة مقابل مبالغ ماليةٍ من الخارج، مواجهين الكثير من الشتائم، حتى صرنا نشعر بالخوف من المدنيين أثناء التصوير. وبالمقابل نحن لا نلومهم بل نتقبل نقدهم لنا... ».

وهنا تروي لنا الحاجة أم أنور، من سكان بلدة طفس بمحافظة درعا، عن القصف الذي طال البلدة أثناء عمليات التغطية سواءً لأعمالٍ عسكريةٍ أم لأمورٍ مدنية، فتقول: «تعرّضنا لهجماتٍ عدّةٍ من قبل قوّات النظام التي لا تعرف الرحمة ولا الرأفة في حقّ نسوة وشيوخ وأطفال البلدة، جرّاء ما يقوم به الناشطون من تصوير الأعمال العسكرية والمدنية معاً». مؤكدةً: «لسنا ضد كاميرات إعلاميي الثورة الذين هم صوت ضميرنا، ولكننا بتنا نعاني رعباً وخوفاً شديدين مما يعقب تلك التغطيات وجولات الكاميرات من قصفٍ عشوائيٍّ ودمارٍ ومجازر.. ».

ويروي الشاب محمد شباط لـ«عين المدينة» قصته مع العمل كمصوّرٍ صحفيٍّ، فيقول: فُصلت من جامعة دمشق بسبب مشاركتي في مظاهرةٍ طلابية، وتمّ اعتقالي في فرع الأمن العسكريّ. وبعد خروجي قرّرت الانضمام إلى فريق عمل الثورة في محافظتَي درعا والقنيطرة في عام 2012. عملتُ في البداية على تغطية أعمال الفصائل في الجبهة الجنوبية، وبدأت بنقل صورة الأحداث الجارية المؤلمة كما هي. وزاد إصراري على العمل الصحفيّ مع تزايد ملاحقة النظام لكلّ من يستخدم الكاميرا، خاصّةً وأنه كان يسيطر على الغالبية العظمى من المدن والمحافظات السورية وقتها، ناهيكم عن عدم تقبل المدنيين للكاميرا، وخاصّةً أثناء القصف عندما يتملكهم الخوف ويصبحون غير قادرين على ضبط أنفسهم. وأشار محمد قائلاً: «تعرّضت لإصابةٍ أثناء تغطيتي أحد الأعمال العسكرية (معركة الصد في ريف درعا الغربيّ وفي مدينة الشيخ مسكين تحديداً)، رقدت إثرها سبعة أشهرٍ غير قادرٍ على الحركة. وبعد أن أتممت علاجي عدت إلى ميدان العمل من جديدٍ وكلي إصرارٌ وعزيمةٌ على إتمام مسيرتي في إيصال حقائق الأحداث، المسيرة التي عانيت وواجهت فيها الكثير والكثير من المشاق والمتاعب حتى الموت».

وتأكيداً لما تحدث عنه شباط نجد أن إعلاميّي الثورة باتوا ضحية فشل العديد من الأعمال القتالية في محافظة درعا، وتحديداً في منطقتَي درعا المحطة ومخيم النازحين. فعقب فشل «معركة عاصفة الجنوب» آنذاك تعرّض الإعلاميون الذين قاموا بتغطية العمل لردّات فعلٍ عنيفةٍ من أهالي المنطقتين المذكورتين من ضربٍ وشتمٍ وغيرها من الأمور غير اللائقة. إذ غدا الإعلاميّ الحلقة الأضعف والشماعة التي يُعلّق عليها الفشل الذي تمرّ به الفصائل العسكرية.

ولا شك في أن الصحفيين الأكثر عرضةً للأذى ليسوا أولئك الذين يجلسون وراء مكاتبهم، بل الذين يعملون في ميدان الأحداث ويحاولون قدر المستطاع نقل مجريات الوقائع، وهم من يتعرّضون للمضايقات من عنفٍ جسديٍّ ولفظيٍّ معاً...