- Home
- Articles
- 1
السودان على مفترق طرق
الاشتراكيين الثوريين المصريين
2 حزيران عن موقع مجلة International Viewpoint
ترجمة مأمون حلبي
لقد وصلت الثورة السودانية العظيمة إلى مفترق وصلت إليه كل ثورة في العصر الحديث. هل ستتخلص الجماهير من رأس النظام فقط، أم ستقتلع النظام من جذوره؟
منذ كانون الأول الماضي والسودانيون يخوضون معركة بطولية قدموا فيها العديد من الشهداء في صدامات مع مليشيات الدكتاتور عمر البشير. لقد نظم الثوريون السودانيون مسيرات ضخمة وإضرابات واعتصامات، وهي نشاطات لا تزال متواصلة أمام مقر قيادة الجيش السوداني في الخرطوم وخارج ثكنات الجيش في أقاليم أخرى حتى لحظة كتابتنا لهذه المادة. وبعد أن فرضوا إسقاط البشير في 11 نيسان، أزاح السودانيون رئيس المجلس العسكري عواد بن عوف في اليوم التالي.
منذ أن تولى عبد الفتاح البرهان رئاسة المجلس العسكري مع نائبه محمد حمدان دقلو، يحاول جنرالات البشير تحويل مسار الثورة وإفراغها من أي مضمون، وذلك بهدف شراء الوقت من أجل تجاوز الضربة الأولى التي سددها الثوريون للنظام. لم يضيع الجنرالات أي وقت، فقد كانوا على اتصال مستمر مع قوى الثورة المضادة في القاهرة والرياض وأبو ظبي والمنامة. لقد بدأ المال الخليجي يتدفق إلى الحكومة العسكرية، مع انهماك دكتاتور مصر السيسي بأقصى ما يستطيع بدعم المجلس العسكري دبلوماسياً واستخباراتياً، ويقوم الإعلام الخليجي بتلميع صورة حمدان دقلو(حميدتي) على شاشاته وهو يبعث برسائل تطمين أن الجيش السوداني سيواصل المشاركة في العدوان على اليمن.
أما في الشوارع فالأمور مختلفة. فقد نظم الثوريون السودانيون احتجاجين أمام السفارة المصرية لشجب التدخل من قبل السيسي وأجهزة الاستخبارات المصرية في الشؤون السودانية، وتكاثرت بسرعة اللافتات التي تعارض دول الخليج و "مساعداتهم"، إلى جانب مطالبات بانسحاب الجنود السودانيين من حرب في اليمن لا مصلحة لهم في خوضها.
ماذا عن "اتحاد المهنيين السودانيين" وقوى "إعلان الحرية والتغيير" اللذين يقودان التحشيد والتعبئة؟ لقد استجاب قادة المعارضة السودانية لدعوة المجلس العسكري "للتفاوض" بعد سقوط البشير وبن عوف، فظهرت روايات وتسريبات متضاربة عن خلافات مع المجلس العسكري. بعدها صدرت دعوة لتصعيد الاعتصامات، مع اتهامات أن المجلس العسكري كان يناور في محاولة للاحتفاظ بالسلطات السيادية، لكن المعارضة عادت إلى طاولة المفاوضات من جديد وكشفت في 28 نيسان عن تفاصيل الخلاف مع المجلس العسكري.
بينما تطالب المعارضة ب "مجلس سيادي مدني" ينضوي فيه كل الأعضاء الحاليين للمجلس العسكري (7 جنرالات) إلى جانب 8 أعضاء مدنيين، يرفض المجلس العسكري هذا الأمر، مطالباً عوضاً عن ذلك بإضافة 3 مدنيين فقط. وفي كلتا الحالتين سيترأس المجلس السيادي المدني شخصية عسكرية. هذا السقف المنخفض الذي وضعه قادة المعارضة لمطالبهم أشعل الغضب في صفوف كثير من الثوريين السودانيين، الذين عبَّروا عن خيبتهم في أداء المفاوضين، غير أن المشكلة لا تكمن في شخصيات المفاوضين بقدر ما تكمن في مجمل استراتيجية المعارضة. فعبر الموافقة على التفاوض مع جنرالات البشير والسماح لهم بالمشاركة في المرحلة الانتقالية، يحاول قادة المعارضة أن يوفقوا بين مطالب الشارع الثوري من ناحية، وجنرالات الثورة المضادة من ناحية أخرى. بالنسبة للثورة، هذه استراتيجية انتحارية. وبغض النظر عن شخصيات المفاوضين، فإنهم سيخونون آمال الثوريين.
الاعتصامات في الشوارع لوحدها لا تطيح بالأنظمة، ومنذ سقوط البشير لم يستخدم اتحاد المهنيين بشكل جدي سلاح الإضراب العام. في هذه الأثناء تواصل عجلة الاستغلال دورانها، بينما يتجمع الثوريون في الساحات للاحتجاج بعد أن ينتهي يوم العمل. إن إضراباً عاماً هو أمر ضروري لمواجهة المجلس العسكري مع الحفاظ على الطبيعة السلمية للحراك. وفي بعض الأماكن، ودون انتظار دعوة اتحاد المهنيين، يحتشد العمال والموظفون في مصانعهم ومكاتبهم للمطالبة بعقود عمل دائمة ونقابات مستقلة، وطرد المدراء أتباع النظام القديم من أماكن عملهم. لقد شاهدنا ذلك يحدث في مصر عام 2011، عندما استمر الإسلاميون والليبراليون بالهجوم قائلين "الإضرابات أمر أناني، فالآن ليس هو الوقت المناسب لذلك!"
إلا أن هذه الإضرابات هي قلب الثورة النابض: إن تصعيد هذه الإضرابات إلى إضراب عام هو مسألة حياة أو موت. وثمة تحدٍ آخر: مع مَن بالضبط مِن العسكريين ينبغي أن يتفاوض الثوريون؟ ومَن مِن العسكريين ينبغي أن يُسمح له بالمشاركة في المرحلة الانتقالية؟ إن التمرد الذي كان يتنامى في الصفوف الدنيا للضباط وبين الجنود كان من الأسباب الرئيسية لاندفاع الحكم العسكري للتخلص من البشير خشية انهيار الجيش والنظام.
أصحاب الرتب الدنيا أولئك، وهؤلاء الجنود، هم من يتوجب على الثوريين أن يبحثوا عن التفاوض والتحالف معهم، ويحاولوا إشراكهم.
قد يتهم البعض الثوريين بمحاولة جر البلاد إلى حمَّام دمٍ، لكن حمَّام الدم الحقيقي سيكون الضربة الحتمية التي سيوجهها الجنرالات إلى الثورة. إن الحفاظ على ثورة سلمية يتطلب تحركاً سريعاً نحو إضرابٍ عام ومناشدة الرتب الدنيا في الجيش الانضمام إلى هذا الإضراب