الرقة وتحولاتها.. مجتمعاً وسياسة وإدارة آتية

نازحون من الرقة - خاص عين المدينة

في السنوات الست الأخيرة مرّت مدينة الرقة بمنعطفات حادة، وكانت مسرحاً لأحداث كبرى تمثل أبرزها بالتعاقب السريع أو بالانتقال من سلطة إلى أخرى؛ نظام بشار الأسد، فالجيش الحر، فتنظيم داعش، وها هي توشك اليوم أن تنتقل إلى سلطة جديدة. تحاول «عين المدينة» هنا أن تعرض مواقف مجموعات وشخصيات عامة إزاء ما يجري من أحداث، وقبل ذلك تعود إلى الجذور والروافد المؤسسة للرقة كمدينة ومجتمع، ما قد يساهم في صياغة فهم أوسع لها.

النشأة والمجتمع

قرب مخفر عثماني، في الربع الأخير من القرن التاسع عشر، عمّرت النواة الأولى لمدينة الرقة في تشكلها الحديث من بضعة بيوت لعائلات تنتمي إلى عشائر عربية قريبة من المدينة أو ملاصقة لها (فرع العفادلة من قبيلة البوشعبان)، أو بعيدة عنها (مثل العكيدات والبوبدران) وكذلك (الكلَعيين). ثم –بعد عقدين وثلاثة- جاءت عائلات تتحدر من عشائر عربية أخرى (بوسرايا، دليم، جبور، طي وغيرها). وسريعاً، في مطلع القرن الماضي، توسع طيف القادمين إلى شركس وتركمان وأكراد، ثم أرمن هاربين من الحرب في السنوات الأخيرة من عمر الدولة العثمانية. لم ينقطع تيار المهاجرين إلى الرقة بعد ذلك بل استمر بدوافع مختلفة؛ تجاراً مثل الوافدين من السخنة في عشرينات وثلاثينات القرن الماضي، أو موظفين في الدوائر الحكومية التي أنشأتها سلطة الانتداب الفرنسي مثل بعض الوافدين من مدينة دير الزور، أو فلاحين لدى العائلات الإقطاعية والمشيخية العشائرية المالكة للأرض على أطراف الرقة وجوارها مثل بعض الوافدين من قرية السفيرة بريف حلب. تجددت موجات الهجرة إلى الرقة في العقود اللاحقة، للسخانة مرة أخرى أواخر الأربعينات، ولمئات العائلات القادمة من تادف والباب والسفيرة في الخمسينات والستينات. وفرضت سوق العمل التي أحدثها سد الفرات موجة أخرى من المهاجرين أشد تنوعاً في العقدين اللاحقين.

شكل مجموع هؤلاء، بطبقاتهم الزمنية المختلفة، مجتمعاً شديد الانفتاح والتسامح واحتضان الغريب، تميزت به مدينة الرقة التي مرّ فيها، إلى جانب تلك الكتل المستوطنة، أفراد أسهموا في تاريخ سورية، مثل سلمان المرشد مؤسس الطائفة المرشدية المنشقة عن العلويين، إبان نفيه في العشرينات، وأديب الشيشكلي (الرئيس السوري اللاحق) الذي التجأ إلى الرقة قبل أن ينضم إلى ثورة رمضان باشا شلاش حين كان ضابطاً برتبة صغيرة، وخالد بكداش، الزعيم التاريخي للحزب الشيوعي السوري، الذي نفي الى الرقة في السنوات الأخيرة من الانتداب الفرنسي. وعلى هامش هؤلاء ولد في الرقة، لأسرة قادمة من تادف، النقيب إبراهيم اليوسف، أحد أبرز وجوه تنظيم الطليعة المقاتلة للإخوان المسلمين.

إلى الآن نجد من يتحدث بلهجات سورية مختلفة ويعرّف نفسه ويعرّفه الآخرون على أنه من الرقة. قد يكون هذا الخليط السكاني، القائم على أسس انتماء راسخة لمحل واحد، قد لعب دوره في تشكيل الطابع الخاص لحراك مدينة الرقة المنتفض على النظام، من ناحية الولادة الباكرة ثم الكمون قليلاً ثم التحرير، في آذار 2013، كأول مركز محافظة سورية يخرج عن سيطرة النظام، وما تبع التحرير من إقبال هائل على الانخراط في هيئات وأجسام مدنية شبه منظمة، لم تترك لها داعش فرصة كافية للنمو.

الحياة السياسية

جلب أبناء العائلات الثرية الدارسون في مدينة حلب، خلال أربعينات القرن الماضي، أول المظاهر السياسية إلى الرقة، ليعرف آنذاك شيوعيون شبان من عائلات (العجيلي والفواز والبجري والشعيب) وغيرها. وفي العقد التالي ظهر بعثيون وإخوان مسلمون وحتى سوريون قوميون. وشاغب على الجميع، قبل أن يلغيهم في سنوات الوحدة مع مصر، ناصريون وناصرية، صارت بعد الانفصال حالة معزولة ومنفردة بأشخاص، ليظل الحزبان الشيوعي والبعث (بنسختيه القيادة القومية و23 شباط) الأنشط والأوسع تأثيراً خلال عقد الستينات. حينها كانت الأحزاب والانتماءات السياسية شأناً جاداً، وكانت الرقة تنقل خطاها الأولى نحو الحداثة، تعضدها في ذلك تركيبة سكانية متنوعة ومنفتحة ومستقبل اقتصادي واعد، خاصة بحامله الزراعي، وبدا أن الريف العشائري قابل للانقياد وراء المدينة. لكن انقلاب حافظ الأسد وتوليه السلطة غيّر المآلات المحتملة كلها، فسرعان ما لوحق البعثيون الأشد مبدئية، ثم، ومع انقسام الحزب الشيوعي بتأثير من الأسد، إلى جناحي بكداش والمكتب السياسي، لوحق «المكتبيون» واضطهدوا وزج بهم في المعتقلات ابتداء من أول العام 1980. في عهد حافظ الأسد نشأ بعث آخر منقطع تقريباً مع سلفه الذي تميز بالمثاليات والبراءة حد السذاجة في حالات، بعث بطبيعة وأداء مختلفين، انتقلت فيه الحزبية من المدينة إلى الأرياف ليفتح الباب على مصراعيه أمام آلاف ثم عشرات الآلاف فيهم كثير من «الجهلة والانتهازيين والنكرات» وفق وصف عصبي لبعثي سابق، ليصيروا مسؤولين في الحزب والدولة وقادة للمجتمع كذلك. وبالفعل ريّف حافظ الأسد بعثه في الرقة –وفي محافظات أخرى- بأقل أبناء الريف كفاءة و«أصالة». ويؤيد النظر إلى منابت أمناء فرع البعث في محافظة الرقة منذ العام 1970 هذا الرأي، إذ يغيب أبناء المدينة تماماً عن قائمة 4 أمناء في عهد الابن بشار، ويغيبون أيضاً عنها في عهد حافظ الأسد، خلا واحد عزل بتهمة موالاة رفعت الأسد.

من التصوف إلى نبذ البدع إلى الجهاد.. وتشيع

لم يشكل الإخوان المسلمون ظاهرة مؤثرة بأي جانب سياسي أو ديني، وظل مجتمع الرقة على صورة تدينه الشعبي البسيط، مبتعداً عن الالتزام ببعض المظاهر والتعاليم الإسلامية الفردية والعامة. ولم تؤثر الكتلة ذات الأصل البابي والتادفي، ثم الحلبي الأكثر التزاماً، في المشهد، رغم أنها قدمت الجيلين الأول والثاني من رجال الدين في مدينة الرقة، مثل الشيوخ محمد رشيد خوجة ومحمد عجان الحديد وأحمد إبراهيم وعمر دربوك وغيرهم، وقد مثلوا التيار الصوفي الأشد اهتماماً بالعلوم الدينية من سابقه التقليدي على صورة «السيّاد» والدراويش. ربما جاء التأثير عبر طلاب أولئك الشيوخ من أبناء الرقة، فضلاً عن التأثيرات الأعمق والأوسع التي تعرض لها المجتمع السوري كله خلال عقود حكم حافظ الأسد الثلاثة، لتزداد، على سبيل المثال، في العقد الأخير من حكمه، أعداد المحجبات والمصلين في الجوامع وطلاب العلم الشرعي في دمشق، تزامناً مع المنخرطين الأصغر سناً في معاهد الأسد لتحفيظ القرآن. كان كل شيء على ما يرام بالنسبة للنظام وتحت الأعين والسيطرة. وفي هذا العقد الهانئ للأسد الأب جرى في الرقة استيعاب أول الحالات السلفية وفق نموذجها الدعوي، وقد مثلها الشيخ سالم الحلو مدرّس التربية الإسلامية العائد من الخليج، ثم الشيخان عبد الله العساف وإسماعيل الكجوان. كان الثلاثة من الرقة وقراها أصلاً، وأخذوا على عاتقهم محاولة إطلاق دعوة سلفية علمية «تحارب البدع وتصحح عقائد المسلمين»، وتحرص على التأكيد دوماً أن الخروج على ولي الأمر إثم شرعي ومخالفة دينية كبرى لأنه يفتح باب الفتن. يقدّر شاب سلفي عاصر الشيوخ عدد المتأثرين بهم بأقل من مائة في مدينة الرقة كلها، خرج عشرات منهم إلى العراق إبان الغزو الأميركي له، ففقدت آثار بعضهم هناك وتعرض العائدون لمضايقات أمنية مختلفة؛ اعتقالاً في سجن صيدنايا بأوقات متفاوتة، أو استدعاءات متكررة للرقابة مع طلب العمل لصالح أجهزة أمن النظام.

ابتداءً من عهد بشار أضيف إلى أسباب نقمة أهل الرقة على نظام الأسد سبب جديد، تجسد بالتسهيلات المفرطة التي أتاحها لحركة التشيع التي تقودها إيران وترعاها. اغتصبت هذه الحركة مزاراً تاريخياً يضم قبوراً ثلاثة يعتقد أهل الرقة أنها تعود للصحابي عمار بن ياسر والتابعي الشهير أويس القرني ولكاتب وحي النبي (ص) أبيّ بن كعب. تحول المزار البسيط إلى صرح فخم على صورة العمارة الفارسية للمراقد المقدسة لدى الشيعة، ونشطت فيه حوزة تمكنت من اجتذاب عشرات الانتهازيين الذين رأوا في التشيع سلّم صعود سريع وسالك بعدما ازدحم طريق البعث، إلى جانب حمقى ومعدمين وقلة من المنتقلين إلى المذهب الشيعيّ عن إيمان صادق، وفق ما يستذكر أبناء الرقة ظاهرة التشيع التي ظلت هامشية رغم ما بذلت إيران فيها من جهد وأموال طائلة. ولكن رغم هامشيتها وتضاؤل احتمال ان تهدد عقيدة الأغلبية السنية، كان لمشاهد الزوار القادمين أفواجاً من إيران والعراق ولبنان وقع مؤلم على عامة السكان المغلوبين على أمرهم، وتحول لدى قلة قليلة منهم إلى ردة فعل وجدت متنفسها في المضي نحو السلفية بتياراتها المختلفة.

عندما اندلعت الثورة أخذ الشيوخ السلفيون وكبار طلابهم موقفاً متردداً، ونصح بعضهم بالإحجام عن المشاركة فيها متذرعين بـ«الخروج على ولي الأمر»، ثم لم يلبثوا أن انخرطوا بها هم أنفسهم حين تأكد أن الانتفاضة على النظام أعتى من أن يسحقها.

بعد تحرير الرقة، ومع الزخم الذي دخلت به حركة أحرار الشام، انتسب جزء من سلفيي الرقة الأوائل إلى الحركة. ووجد جزء آخر طريقه إلى جبهة النصرة بعد ولادتها الثانية إثر إعلان «الدولة الإسلامية في العراق والشام» في نيسان 2013. والتحق جزء ثالث متردد بـ«الدولة» بعد سيطرتها على الرقة مطلع العام اللاحق، مأخوذين بمظاهر القوة والتمدد السريع التي بدت عليها.

يصعب الوقوف على مآلات الظاهرة السلفية في الرقة اليوم، لكن المصير المأساوي الذي لقيه الشيوخ المؤسسون الثلاثة قد يكون علامة واضحة؛ إذ يعيش الشيخ سالم الحلو مضطهداً على أيدي أمنيي داعش وشرعييها الذين لا يتوقفون عن اتهامه بالإرجاء، واعتقل الشيخ العساف وربما مات تحت التعذيب في سجون التنظيم، وقبلهما قضى الشيخ الكجوان بعملية اغتيال غامضة.

وفي وقت تقترب فيه صفحة داعش من الطي تتجه الأنظار الى اليوم التالي الذي تبدو قوات سوريا الديمقراطية الأوفر حظاً في احتلاله حتى الآن. وكما في مرات سابقة تحاول «قسد» توجيه رسائل جاذبة لأهل الرقة، لعل «مجلس الرقة المدني» الذي شكلته مؤخراً واحدة منها.

قسد ومجلسها المدني

قبل أسبوعين تقريباً أعلنت «قوات سوريا الديمقراطية»، المعروفة اختصاراً بـ«قسد»، عن مجلس الرقة المدني، وسمّت الشيخ محمود شواخ البورسان (زعيم عشيرة الولدة في الجزيرة) رئيساً مشتركاً له. لم تعلن قسد كل أسماء الأعضاء حتى الآن، خاصة العرب منهم. يقول عبد السلام حمسورك، عضو المجلس، لـ«عين المدينة»، إن مجلسهم «مؤقت، يدير شؤون المناطق المحررة خدمياً واجتماعياً وأمنياً»، وإنه أسس بالتوافق وبعد مداولات ومشاورات مع «العشائر والمكونات الاجتماعية والشخصيات المعروفة»، ويؤكد أنهم يتمتعون بصلاحيات كاملة، وحالما «تقوم القوات العسكرية بتحرير أي منطقة، فإنها تسلم إدارتها للمجلس». ينفي حمسورك، وهو العضو الكردي، وعضوان عربيان طلبا أن تغفل «عين المدينة» ذكر اسميهما، وجود أهداف سياسية للإدارة الذاتية أو لحزب الاتحاد الديمقراطي PYD من تأسيس المجلس. عضو رابع، طلب هو الآخر إغفال اسمه، لمّح إلى حالة أمر واقع لا بد من التكيّف معها، وهذا ما فعله انطلاقاً من أسباب عملية دفعته، شخصياً على الأقل، حسب ما يقول، إلى المشاركة، على أمل أن يسهم من خلال المجلس في القيام بشيء نافع يخفف المعاناة التي يلاقيها أبناء الرقة المشردون في مخيمات النزوح.

حتى الآن لا يبدو أن النصاب العددي اللازم للمجلس قد اكتمل، رغم تشكيل (14) لجنة أو مكتباً يؤدي كل منها عملاً خاص. ويشكو أعضاؤه الذين تحدثت إليهم «عين المدينة» من قلة الموارد المالية للمباشرة بوظائفهم الإغاثية والخدمية التي اقتصرت حتى الآن على توزيع مساعدات غذائية قليلة ومتفرقة على النازحين الذين لم يسمعوا، ولم يسمع المقيمون في الرقة حتى الآن، بمجلسها المدني، وفق ما استنتجت المجلة من استقصاءاتها التي جاءت على شكل استطلاع رأي في أوساط النازحين (انظر الاستطلاع) وأسئلة متفرقة غير مباشرة طرحها عاملون في هذه الملف على عينة صغيرة من الناس (15 شخصاً) داخل مدينة الرقة.

على الطرف المقابل، كانت متابعة المنتمين إلى الشرائح الثورية أعلى من غيرها لشؤون «مجلس قسد» كما يسميه الشيخ محمد سعيد البورسان، الوجه العشائري المعارض للنظام. يقول البورسان إن هذا المجلس «فاقد للشرعية جملة وتفصيلاً، ولا أهمية تذكر لمزاعم مؤسسيه»، بل الخطورة في «النوايا الحقيقية لهم، وهي خلق فتنة عشائرية وعائلية تزيد الانقسام في مجتمع الرقة، وتضعفه كله»، ما يسهل على PYD تحقيق أهدافه السياسية المتمثلة في خدمة نظام الأسد اليوم وتقسيم سورية غداً، كما يقول. يوجه البورسان لابن عمه الأكبر سناً، الشيخ محمود، رئيس المجلس، رسالة حادة يأسف فيها للحال التي آل اليها، ويدعوه إلى الانسحاب فوراً من هذه «الورطة أو اللعبة احتراماً لموقعه الاجتماعي» المهدد اليوم بخسارته. ويرى البورسان في ترؤس قريبه لهذا المجلس عملاً فردياً لا تتحمل العشيرة مسؤوليته، «فهو يمثل نفسه فقط»، وكذلك أمر بقية الشيوخ والوجهاء العشائريين المنضمين الى المجلس. وينصح البورسان «شيخ الولدة محمود بأن يتذكر إرث أبيه وجده الناصع والرافض للظلم والطغيان».

محمد سعيد البورسان

أول الثورة اعتقل سعيد البورسان وتعرض للتعذيب وحطمت أسنانه في أقبية المخابرات العسكرية. وحين جاءت داعش سلبته ممتلكاته وفجرت منزله و«ديوانه». وهو يعيش اليوم في مخيم للاجئين في ولاية أورفا التركية، ولا يبالي -كما يقول- بأي مال أو عشيرة أمام الثورة التي يؤكد أن انتماءه إليها بات «عشيرته الحقيقية».

نبيل الفواز، وهو معارض سياسي اعتقل لـ15 عاماً في سجون الأسد الأب، يؤيد ما ذهب إليه البورسان حول «مجلس قسد» التي يراها «قوة احتلال ليس إلا، وكل ما يصدر عنها باطل كأنه لم يكن». وحسب الفواز لا يمت هذا المجلس بصلة لأهل الرقة، ولن يلقى حتماً أي حاضن شعبي. كان الفواز رئيساً لأول مجلس محلي لمدينة الرقة آخر العام 2012، قبل أن تتحرر, ومثل كثيرين من معارضي الرقة اضطر إلى النجاة بحياته هرباً من داعش بعد احتلالها المدينة. ولاحقاً، حين طردت من الريف الشمالي صيف 2015، كان ضمن من لبوا دعوة قائد لواء ثوار الرقة (أبو عيسى) ليعلنوا من هناك عن تأسيس المجلس المحلي لمحافظة الرقة، غير آبهين بتهديدات وإغراءات PYD. يرفض الفواز العودة إلى الرقة في حال سيطرت عليها «قسد»، ويعدّ كل من شارك ويشارك في ما ينبثق عنها «دمية» في يدها، تحركها كيف تشاء خدمة لأهدافها.

نبيل الفواز

المحاميان والناشطان السياسيان أكرم الدادا وسعد شويش يرفضان «مجلس قسد» أيضاً لأنه «فاقد للشرعية بالمطلق» ولأنه «صنيعة قوة احتلال». ويميزان ثلاث فئات من أعضاء المجلس؛ «شبيحة وموالون للنظام»، ثم «انتهازيون وجدوا في هذا المجلس فرصة انتفاع»، وفئة ثالثة أجبرت على المشاركة تحت التهديد، وبعضها «سجنته قسد في أوقات سابقة وعذب وأهين في معتقلاتها» كما يقول الدادا وشويش.

منى فريج ناشطة معروفة من مدينة الرقة، كانت من أوائل المنخرطات في حراكها الثوري، تشكك، هي الأخرى، في شرعية المجلس الذي أعلنته «قسد» لأنه لم يؤسس بطريقة سليمة وإنما عيّن تعييناً، وتسأل عن «الجمهور الذي انتخب المجلس والمعايير التي تم على أساسها انتقاء أعضائه». وتعد الفريج الحضور النسائي في هذا المجلس شكلياً، لتعزيز صورته بأنه يراعي مشاركة النساء. كانت فريج أول امرأة في أول مجلس تشكل لمدينة الرقة، وهي ترى أن مشاركة النساء وتوليهن أدواراً قيادية في المجالس وغيرها يجب أن تناط بما تملكه المرأة من كفاءة وقدرات «لا بمجرد جنسها لنقول للعالم إن في مجلسنا نساء». تتنبأ فريج أن ينجح المجلس الذي أعلنته «قسد» في أداء بعض مهماته، لأنه مدعوم من القوة العسكرية التي تحكم الأرض وتملك الموارد، لكن شرعيته وأهداف تأسيسه الأخرى ستظل موضع تساؤل.

منى فريج

تقول فريج إنها ستعود إن خرجت داعش من الرقة، بغض النظر عن من يأتي بعدها، وستشارك في الأنشطة العامة في حال أتيحت للناس حرية المشاركة والانتخاب والترشح في الأجسام الإدارية المفترض تأسيسها بعد طرد داعش. وتؤكد أنها لن تخفي إيمانها بمبادئ الثورة عندما تعود. وتبدي عزمها على استئناف وظيفتها الاصلية كمدرسة لـ«تعويض ما يمكن تعويضه مما فات على الطلاب خلال السنوات السابقة».

في القطاعات الأوسع في أوساط نازحي الرقة يبرز الرأي العام الذي يؤيد العودة بعد رحيل داعش «فعلى الأقل ستتركهم أي سلطة أخرى وشأنهم»، وعلى الأقل كذلك، مهما كان الحال، سيكونون في بيوتهم حيث لا يعانون من تكاليف العيش الباهظة التي يعجزون عن تحملها، ولا من مرارات اللجوء الأخرى.

استطلاع رأي:

أجرت «عين المدينة» استطلاع رأي محدود شمل 200 شخص في أوساط نازحين من الرقة إلى (عين عيسى؛ منبج؛ جرابلس؛ الباب؛ اعزاز) ولاجئين منها في ولاية عنتاب وولاية أورفا ومخيماتها في تركيا. وقسمت العينة المستطلعة إلى شريحتين؛ الأولى وبلغت (50) من الناشطين والمنخرطين في مواقف وأدوار سياسية تركزت في عنتاب وأورفا سألتهم «عين المدينة» عن نواياهم بالعودة بعد طرد داعش من الرقة أو البقاء وعن آرائهم بالمجلس المدني للرقة الذي أعلنته قسد. والثانية وبلغت (150) لأشخاص في القطاعات الأوسع من النازحين واللاجئين «غير المنخرطين» في مواقف وأدوار سياسية ويعيشون ظروفاً اقتصادية سيئة، سألتهم المجلة عن نواياهم بالعودة أو البقاء بعد داعش، وعن مشاركتهم المحتملة في الحياة العامة بعد ذلك.