الجمعية الفلاحية (الإسلامية)

العنوان هو عبارةٌ تهكمية، أطلقها البعض عندما أعاد تنظيم الدولة الإسلامية في ديرالزور تفعيل عمل الجمعيات الفلاحية بكوادرها القديمة. والعبارة مستوحاة من تجارب كثيرة ألحق التنظيم (وتشكيلات أخرى) صفة الإسلامية بأسمائها، لتؤدي مهمة الاختلاف عن تلك الخاصة بالنظام. أما بخصوص الجمعيات ،فهيكليتها مازالت على حالها ،وإن اختلف عملها نوعا ما، ولكن دون اسم رسمي من التنظيم، وباسمها القديم لدى الأهالي.

وبحسب ناشطين من ديرالزور، فالجمعيات توقفت عن العمل بعد سيطرة تنظيم الدولة على المحافظة ،وقد عادت إلى العمل بتأثير من أبو المنتصر، وهو مهندس زراعي من محيط البصيرة، عمل واليا للخير لعدة أيام، أعاد خلالها عمل الجمعيات في الريف الغربي، قبل أن ينتقل ذلك إلى بقية المناطق. وفي محاولة لإثبات علاقة التنظيم بالنظام، أُشيعٓ وقتها أن التنظيم خاصة في موحسن ومحيطها (٢٣ كيلومتر شرق المدينة) استعاد الديون المترتبة على بعض الأهالي لصالح الجمعية الفلاحية، وقد حصل على سندات الديون. ويفيد أحد الفلاحين في الريف الشرقي، أن التنظيم أوقف عمل الجمعيات في البداية، لكن الأهالي توجهوا إلى (شعبة الري) التابعة لديوان الزراعة، وعرضوا على المسؤولين فيها إعادة عمل الجمعية في إمداد الأراضي بمياه السقي مقابل دفع أجور للسقاية.

استمرت أغلب الجمعيات بالعمل بعد طرد جيش النظام من ريف ديرالزور رغم تعرض بعضها للعراقيل، فبحسب إعلاميين محليين، هجم مسلحون باسم الجيش الحر على مصلحة الري في إحدى قرى الريف الشرقي بحجة الحرس في المصلحة، فأوقف رئيس الجمعية هناك محركات الري، قائلا للأهالي (بدي أبطل أسقي گاع بشار الأسد)، ليتدخل كثيرون حينها، ويعيدوا السلاح للحرس، وتعود المصلحة لعملها. كما استولت بعض الفصائل على مخزون الأعلاف، وقد اختلف مصيره بين التوزيع على الأهالي وبيعه لهم بحجة شراء السلاح.

قبل التنظيم بإعادة الجمعيات الفلاحية للعمل بكادرها القديم، وخصها بخطوط كهربائية مستقلة عن التجمعات السكنية المحيطة بها لتشغيل محركات استجرار المياه؛ ويعمل قسم منها بالطاقة الكهربائية، بينما القسم الآخر بالديزل، ويتكون كادر العمل من (رئيس الجمعية)، ويشمل عمله مراقبة وتنظيم أمور الموظفين الآخرين، وتوقيع إيصالات بالمبالغ المالية المدفوعة من قبل الفلاحين لقاء الاستفادة من السقاية بمحركات الجمعية، وقدرها ١٥٠٠ ليرة سورية عن كل دونم أرض، بالإضافة إلى منح (وصول زكاة) للفلاحين قبل دراسة محاصيلهم، حيث لا يسمح لهم بجنيها قبل توقيع الوصل من (ديوان الزراعة)، وتسليمه بعدها لصاحب الدرّاسة الذي بدوره يدوّن كمية المحصول لتقييم مايترتب عليه لاحقا (في ديوان الزكاة)؛ ويعمل في الجمعية إلى جانب رئيسها عامل مساحة يقدر الأراضي المسقية، وأمين الصندوق، وموزع المياه (الوگاف)، وميكانيكيين لصيانة محركات السقاية (أربعة أو أكثر) وتتراوح رواتب الموظفين بين ٢٥ و ٤٠ ألف ليرة سورية، يقتطعها رئيس الجمعية من عائداتها، قبل تسليمها لديوان الزراعة. وقد فرض التنظيم في الفترة الأخيرة مبلغ ٣٠٠٠ ليرة سورية في السنة على كل مستفيد من الجمعية كأجور للتيار الكهربائي المستعمل في تشغيل المحركات.

ويفيد البعض بأن عمل الجمعيات يختلف من مكان إلى آخر، ففي بعض القرى يتم توظيف الكواديد (عمال السقاية) ضمن ملاك الجمعية، لكن في قرى أخرى، يُعلن في المسجد بعد الصلاة بأن (على مستخدمي المياه العمل في الكدادة وإلا تعرض المقصر لغرامة قدرها ٥ غرام من الذهب)، والغرامة الأخيرة يفرضها التنظيم عن طريق الجمعية بحق المخالفين لتعليماتها في تنظيم قوائم الفلاحين، بينما تتكفل دوريات خاصة بمراقبة الدراسة، ومطابقة الكميات المسجلة في الوصول مع الواقع، على أن عمل الجمعيات لا يخلو من المشاكل رغم قسوة التنظيم، والرقابة الدائمة التي يفرضها عن طريق جواسيسه الذين يشيع وجودهم جو من الخوف المستمر، فقد انتهت منذ شهر تقريبا إحدى الخلافات على السقاية بقتل أحد الفلاحين جاره فى إحدى قرى العشارة ٦٠ كيلومتر شرق ديرالزور.

يجهد تنظيم الدولة في البحث عما يدعم به مشروعه من (الأدلة الشرعية)، ويحاول إسباغ الشرعية على إعلانه قتال الجميع، واستئثاره بالسلطة، ولايكاد يدع شأنا سياسيا لا يجد له مسوغا دينيا يبرر من خلاله موقفه، و(يؤصل) به تحركاته وقراراته، لكنه لا يأبه بذلك عندما يتعلق الأمر بالشؤون الأخرى، كالأمور الخدمية، ومنها الجمعيات الفلاحية، فقد تركها على حالها، لتظهر بالمحصلة كتركة من عهد الإصلاح الزراعي، دون أرضية فكرية خاصة بالتنظيم الذي اكتفى باستغلالها مادياً.