الامتحانات الجامعيّة في دير الزور

كلية الهندسة البترولية | دير الزور

الامتحانات الجامعيّة في دير الزور
الطلاب الأحرار لزملائهــم في المناطق المحتلّة: لا تذهبوا إلى الامتحان....
يردّ الزملاء: لماذا نضيّع ستة أشهرٍ من مستقبلنا؟

 

أن يذهب الطالب الجامعي إلى امتحانه، أمرٌ عاديٌ جداً، بشرطٍ لازمٍ ووحيدٍ هو أن تكون الحياة عادية أيضاً. وليس هذا هو الحال في مدينة دير الزور، بجزأيها المحرّر والمحتلّ.
بعض الطلبة من جامعة الفرات، بكليّاتها المختلفة، ذهبوا إلى امتحاناتهم التي بدأت يوم 15 تموز، بعد أن حُدِّدت كليتا الزراعة والآداب كمركزين للتقديم. وفي محيط، وداخل حرم هاتين الكليّتين، يشاهد المئات من عناصر الأمن، والمئات من الطلاب وآبائهم أو أمهاتهم الذين رافقوهم إلى يومهم المهم هذا. وكالعادة، ومن أي مشهدٍ في سوريا، يثبت النظام أن كلّ ما يقال عن طبعه الهمجيّ الأصيل صحيح، فما الفائدة التي يجنيها من طرد ثلاث أمهات صائماتٍ، رافقن بناتهن إلى الامتحان، من ظل شجرة؟ وهل أثبت لهنّ أنه نظامٌ قوي؟
في حرم كلية الزراعة يتمازح عناصر الأمن فيما بينهم. وبالعدّة الحربيّة الكاملة، من بنادق ومسدساتٍ وجعب؛ يتمشّى هؤلاء باطمئنانٍ في أروقة المبنى. للحظةٍ يظنّ المرء نفسه في سجن، وأن هؤلاء الطلبة معتقلون أنيقون.
وبجانب المدخل الرئيسي يقف شابٌ مسلّحٌ ذو لحية كثيفة، يرتدي بنطالاً عسكرياً مموهاً، وجعبة ذخيرة على صدره، فوق قميص أبيض بدون أكمام، ليكشف عن ذراعين عضليين مناسبين تماماً لوشمٍ لوجه ماهر الأسد على ذراعه اليمنى، ولطائرٍ جارحٍ على اليسرى. إنه فاطر، هكذا ناداه أحد الطلبة المتملّقين وهو يحييه بامتنانٍ، وبامتياز أنه يعرف الاسم.
تمرّ ثلاث طالبات مسرعات. يشعل فاطر سيجارة وهو يرمق أكثرهن ملاحة بنظرة فاسقة. يُسمع صوت إطلاق نارٍ من مكانٍ قريب. لا أحد يهتمّ، لا الطالبات الثلاث ولا الطالب المتملق ولا فاطر. وتُسمع أيضاً أصواتٌ قريبة وبعيدة لقذائف المدفعية وراجمة الصواريخ، تنطلق من اللواء 137 أو المطار العسكري أو من أي نقطة عسكرية لجيش الأسد.
يفسّر الطالب س، وهو شابٌ نحيفٌ يضع نظارة طبية، عدم الاهتمام بإطلاق النار، بأنهم اعتادوا على ذلك، فهي زخّة رصاصٍ استعراضيةٍ أطلقها عنصر أمن. يشعر س بتأنيب الضمير في بعض الأوقات، ويرى في تقديمه للامتحان سلوكاً أنانياً، فهو يطبّع العلاقة مع النظام المجرم الذي قتل المئات من الطلبة. ولكن س يسأل: ماذا عليّ أن أفعل؟ أقاطع الجامعة، وأقدّم تضحية لن يستفيد منها أحد؟!
نعرض أحوال الطالب س على شادي، وهو طالب هندسة سابق، يقيم في حي الحميدية المحرر، حيث يقارن الناس دوماً بين عهدين؛ عهد الحرية والمعاناة والحرب، وعهد النظام البائد، كما يصفون نظام الأسد.
يقول شادي: لست نادماً على تركي لدراستي، لكنني بصراحةٍ أشعر بالحقد أحياناً على الطلاب الذين تابعوا حياتهم الجامعية. أنشط هنا في الإعلام، وأساعد في كل شيء. وقد أستشهد في أية لحظة. وسيحظى أولئك الذين يقدمون امتحاناتهم، وينافقون لعناصر الأمن الأوغاد، بالحريّة في يومٍ ما بعد سقوط بشار. لم يخسروا أي شيء، وخسرنا نحن كل شيء. أتمنى أن تعوّضني الحكومة التي ستأتي بعد بشار؛ أنا ـ إن بقيت حياً ـ وأمثالي من الطلبة، بطريقةٍ ما. لا أعرف كيف سيكون ذلك. إنها مهمتها الأولى. يضحك شادي ويتابع أنه يسمع عن زملاءٍ سابقين يحيَون بشكلٍ طبيعيٍ جداً،
رغم وجود جنود الأسد المجرمين بينهم. والأنكى من هذا أنهم يقدّمون امتحاناتهم في كلية الزراعة، قريباً من مصادر النيران والموت التي تتساقط علينا، هنا في الأحياء المحرّرة. بماذا يشعر زملائي الأعزاء عندما تُطلق قذائف المدفعية من جوارهم؟ هل يتركون القلم للحظةٍ ويسألون أنفسهم على رأس من ستسقط هذه القذيفة؟ إنهم ينتهزون فرصة الفوضى والتسيّب في قاعات الامتحان، الناجمة عن هذه الحرب التي تشنّ بلا هوادةٍ علينا.