الإنترنت الفضائيّ في دير الزور:
كيف يضبط تنظيم الدولة الإسلامية عمله

حاول تنظيم الدولة الإسلامية، خلال سيطرته على دير الزور، مراقبة عمل صالات الإنترنت بإصدار قراراتٍ كثيرةٍ لضبط عملها ومعرفة روادها؛ لكن أجهزة الإنترنت الخاصة بأصحاب رؤوس الأموال، كالتجار والصرّافين، ظلت خارج سيطرة أجهزة المراقبة.

تعدّ مصادر تمويل التنظيم وصورته الخارجية أمران غير مطروحين للمناقشة. فهما «سياديان» بالنسبة إليه، يسخّر لهما كل طاقاته وإمكانياته وتسهيلاته. لكن حركة الأموال التي لطالما راعاها، لتأمين تحصيل الضرائب عنها وعدم هروب أصحابها، تتعارض مع شنّه حملاتٍ على أصحاب صالات الإنترنت، لمنع استعمالها في تسريب الأخبار وغيره. فقد بدأ، منذ منتصف العام الماضي، سلسلة إجراءاتٍ أغلق خلالها الصالات مرّاتٍ عدّة، ومنع بعض أصحابها من إعادة افتتاحها، خاصة في مدينة دير الزور التي غاب الإنترنت عنها لقرابة السنة، ليعود إليها منذ عدّة أشهرٍ فقط. كانت الإجراءات في البداية تخصّ منع نواشر (الواي فاي)، ثم شملت تسجيل أسماء مرتادي الصالات، بالتزامن مع بثّ إشاعاتٍ تفيد بامتلاك التنظيم أجهزةً وتقنيين وبرامج تراقب مكالمات الرواد وتسترجع الدردشات المحذوفة من أجهزتهم.

يملك الكثير من التجار والصرّافين ومكاتب الحوالات وأصحاب الأعمال أجهزة إنترنت فضائيّ، يساعدهم في عملهم في استيراد البضائع وتحويل الأموال والارتباط بالسوق الخارجية. وحسب أحد أصحاب مكاتب الحوالات في ريف دير الزور الشرقيّ، فإن متوسط الحوالات في المكتب الواحد في منطقته يصل إلى خمسين مليون ليرةٍ سوريةٍ في الشهر (95 ألف دولار أميركي)، كما أن المكاتب في منطقته تشكل تقريباً ما معدّله مكتباً لكل ألف شخص. وقد حاول التنظيم متابعة الأمر عن طريق ما أسماه المكتب الاقتصاديّ، الذي أداره أحد المبايعين السوريين من مدينة جبلة، وقد افتتح في تموز الماضي في مدينة الميادين، وقرّر من خلاله إلزام مالكي أجهزة الإنترنت، من أصحاب الأموال، باستخراج رخصٍ لأجهزتهم مدتها ستة أشهر، يمنحها المكتب بعد توقيع تعهدٍ بعدم استخدام الإنترنت من جهازٍ آخر غير جهاز صاحب الرخصة، وفي حال المخالفة يعاقب بالسجن وغرامةٍ قدرها 10 آلاف دولار وتشميع المحل وسحب الرخصة.

عرف أصحاب الأموال أن جواسيس التنظيم يراقبونهم عن طريق دخول مجموعات الوتس أب الخاصة بتعاملاتهم المالية والتجارية العامة -تهدف هذه المجموعات إلى تسهيل تسديد الفواتير وقبض الحوالات وصرف العملة واستجلاب البضائع من الخارج- بعد أن صار العاملون في مكتب الزكاة في الشحيل (انتقل مؤخراً إلى قرية أبو حردوب التابعة لناحية ذيبان) يحذرونهم من بعض طرق التعامل التي يستعملونها على الوتس، مشدّدين أن التجارة يجب أن تكون (يداً بيد وهاءً بهاء). لكن صاحب مكتب الحوالات يشكك في أن ذلك يعود إلى قرارات التنظيم، فهناك الكثير من العاملين المحليين في تحصيل الضرائب يلجؤون إلى هذه الأساليب، وغيرها، لابتزاز الأثرياء أو لمعرفة أملاكهم، لأن مكتب الزكاة يمنح العامل الذي يحصّلها نسبةً منها.

منذ افتتاح المكتب الاقتصاديّ، أو بالتوازي معه، حاصر التنظيم انتشار صالات الإنترنت، حتى أبقى أخيراً على صالةٍ واحدةٍ في كلّ قريةٍ أو مدينة، بحسب ما تفيد شهادات. وإمعاناً في إجراءاته الأمنية صار يطرح الصالات مع أجهزتها للاستثمار كل شهر، فتقدم طلبات الاستثمار للمكتب، الذي يتصل بالمقدمين على الرخص، ليخبرهم بالموافقة على طلبهم، على أنه يعطي الأولوية لعناصره (المعاقين بسبب الحرب خاصة)، أما الصالة والأجهزة فتبقى في عهدة التنظيم لقاء مبلغٍ يتلقاه صاحبها الأساسيّ. وتسيّر أجهزته الأمنية دورياتٍ خاصّةً إلى صالات الإنترنت، تدخل إليها بغتةً، وتطلب من الزبائن ترك أجهزتهم على الطاولات أمامهم فوراً، ليقوم عناصر الدورية بتفتيش المحادثات فيها. وقد دفعت الظروف التي يمرّ بها التنظيم، من خسارة الأراضي وحاجته للتمويل، إلى مزيدٍ من التشدد والتضييق على مالكي أجهزة الإنترنت.

ومنذ أيامٍ تحدثت مصادر محليةٌ عن اعتقال التنظيم صرّافَين في مدينة العشارة، بحجة انتهاء رخصتيهما، وقامت دوريةٌ بإغلاق مكتبيهما واعتقالهما، بعد ضربهما أمام المارّة في الشارع. وتأتي هذه العملية، على ما يبدو، ضمن إستراتيجيةٍ جديدةٍ ينتهجها التنظيم، مع إحداث «مكتب الاتصالات» في الميادين، الذي أصدر مؤخرا، بحسب أحد الصرّافين، قراراً بمنح رخص الإنترنت لكل من يسجل مبلغ 25 مليون ليرةٍ في مكتب الزكاة لدفع الضرائب عنه: «معد يعطو رخص لغيرها»، كما يقول الصرّاف. وقد جاء المكتب ليحلّ محلّ المكتب الاقتصاديّ في مراقبة أجهزة الإنترنت، لكن بصلاحياتٍ أكبر وخطة عملٍ جديدةٍ كما يتناقل البعض.

يقع الإنترنت بين حاجة التنظيم إلى الترويج لنفسه وتواصل عناصره بذويهم ومردوده الماليّ من جهة، وخوفه من استعماله كسلاحٍ ضدّه من جهةٍ أخرى. وبين هذا وذاك تنشط اجتهادات قادته وخسّة عناصره. فهل يستطيع التوفيق بين كل ذلك؟!