- Home
- Articles
- Radar
الإقامة تحت الخطر في ريف حماة الشمالي.. الفقر والتعلق بالأرض يمنع كثراً من النزوح عن كفرزيتا واللطامنة
منعتهم ظروفهم المادية من ترك أخطر المناطق في الشمال السوري، رغم انعدام الخدمات الصحية والإنسانية في تلك المنطقة. فتحت تهديد القصف الممنهج والهجمات الشرسة التي تعرضت لها منطقتهم، آثر عدد كبير من أهالي مدينتي (كفرزيتا) و(اللطامنة) البقاء في بيوتهم، إما لفقر حالهم وعدم قدرتهم على تحمل أعباء النزوح أو تمسكهم بهذه الأرض أو لكلا السببين.
"هي أرض أبوي وجدي كيف بدي اتركها! ما بتركها إذا بموت" بهذه الكلمات أجابنا عمر (26عاماً) حين سألناه عن سبب بقائه في مدينة كفرزيتا رغم تعرضها المستمر للقصف. الكثير من المقيمين في المدينة أجبرتهم ظروفهم المادية على الثبات فيها، فهم لايمتلكون نفقات الإقامة في الشمال السوري، وبنفس الوقت يعملون في أراضيهم الزراعية على أطراف المدينة. عمر واحد من هؤلاء الناس الذين يعملون في الأراضي الزراعية المحيطة بمدينة (كفرزيتا)، ويعرض نفسه للخطر في سبيل الحصول على لقمة عيشه داخل أرضه ومدينته. "تعودنا ع الحياة هون. بس يشتد القصف مننزل ع الأقبية، وبس هدأت الأوضاع منرجع لأشغالنا.. في كتير ناس متلي هون".
يقيم في مدينة "كفرزيتا" قرابة 700 عائلة يعيشون أوضاعاً إنسانية صعبة، حسب مدين خليل رئيس المجلس المحلي في المدينة، حيث يعاني سكان المدينة من نقص شامل في الخدمات الأساسية مثل الصحة والتعليم والنظافة.
وبدوره عمل المجلس المحلي على مخاطبة المنظمات الدولية والهيئات الإنسانية بهدف إلقاء الضوء على معاناة المدينة، دون الحصول على أي رد، رغم الدمار الكبير فيها، حيث تعتبر أكثر من 80% من منازل المدينة مدمرة، حسب رئيس المجلس، الذي أصدر بياناً أعلن فيه المدينة منكوبة، لكن ذلك لم يلفت إليها أي من المنظمات العاملة في الشمال؛ لكن المجلس المحلي مازال يأمل من المنظمات المانحة تفقد أحوال المدينة، وترميم المدارس الثلاثة المتبقية فيها، إضافة لإحداث نقطة طبية أو مستوصف لخدمة أهاليها.
وعلى الرغم من سوء الأحوال، إلا أنك تواجه في شوارع المدينة الكثير من نازحي المناطق الأخرى مثل (حلفايا وكرناز وحماة المدينة)، يقيمون في (كفرزيتا) بسبب طبيعة عملهم، أو بسبب سوء حالتهم المعيشية التي أجبرتهم على ترميم وسكن بعض بيوت المدينة التي ماتزال صالحة للسكن.
البعض الآخر تربطه بكفرزيتا علاقة روحية يصعب التخلي عنها رغم الظروف القاسية. عبد الحميد الشحنة، (ناشط إعلامي من مدينة حماة)، يقيم في (كفرزيتا) منذ عام 2015، رافضاً كل الدعوات والعروض التي قدمت له للسكن في مكان آخر، رغم تعرضه للإصابة منذ قرابة السنة، إلا أنه ما زال متمسكاً بهذه المدينة. "بحس هالبلدة بتحضني متل ما كانت تحضني حماة.. ممكن لأنها محافظة وحدة".
تأقلم عبد الحميد على الحياة ضمن (كفرزيتا)، وأصبح الخروج منها يشكل وجعاً له بعد أن اعتاد هواءها ومياهها، كما يشرح، وكوّن علاقات قوية مع الكثير من جيرانه الذين أصبحوا بمثابة عائلته في ظل غياب الأخيرين. "لما بشتاق لأمي بطلع ع السطح وبتطلّع ع جبل زين العابدين، وأمي لما بتشتقلي بتطلّع ع الجبل. الجبل صلة وصل بيننا… إذا طلعت من كفرزيتا مارح شوف الجبل".
في مدينة (اللطامنة) لا يختلف الوضع كثيراً، فسوء الحالة الاقتصادية أجبر الكثير من أهلها على الإقامة فيها، لكن في مغاور تم حفرها في المدينة لتحميهم من القصف، أو في خيام على أطرافها؛ لكن ما يميزها عن كفرزيتا أنها مدينة لم يدخلها جيش النظام منذ أيام المظاهرات الأولى، ولعل ذلك السبب الرئيس في تلقيها لحملة القصف الشديدة طوال سنوات الثورة، كما شن الطيران الروسي أولى غاراته على اللطامنة، التي كانت تضم أكثر من 30 ألف نسمة في بداية الثورة، بينما لم يتبقَ فيها اليوم سوى 400 عائلة أجبرتهم ظروفهم الاقتصادية على البقاء، حسب المهندس حسام الحسن رئيس مجلسها المحلي.
يوضح (الحسن) أن اللطامنة تعاني من انعدام كافة أشكال الحياة، حيث تدمرت بنيتها التحتية بشكل شبه كامل، ولا يوجد فيها سوى منهل واحد للمياه يعمل بنصف طاقته الإنتاجية بسبب تعرضه الدائم للقصف.
في اللطامنة 11 مدرسة مدمرة بالكامل، لذلك يقصد طلابها بشكل يومي مدارس كفرزيتا لتلقي تعليمهم، بسبب عجز المجلس المحلي عن افتتاح أي مدرسة نتيجة القصف المستمر. "نحاول اليوم ترميم مدرسة بشكل سريع عسى أن نتمكن من افتتاحها هذا العام"، يختتم رئيس المجلس.
الكثير من أهالي اللطامنة يفضل الموت على هذه الأرض على مرارة النزوح وآلامه، حسب الناشط الإعلامي محمود الحموي، فجميع المقيمين في المدينة أقاموا مغاور خاصة بهم ليتمكنوا من العيش فيها في ظل الاستهداف اليومي لها، يتابع (الحموي)، وتعتبر مدينة اللطامنة من أكثر المدن التي تعرضت للقصف، حيث "وثقنا أكثر من 8000 غارة بالطيران الحربي الروسي والسوري على المدينة. تلك الغارات حولت المدينة إلى بقعة مدمرة لكنها لم تكسر إرادة الحياة فيها".
اليوم تعيش المنطقة حالة هدوء نسبي، ويحاول أهالي المدينتين العودة إليها، لكن نقص الخدمات يقف حائلاً بينهم وبين العودة إلى مدينتهم.