من حماة إلى صيدنايا

قبل أيام أصدرت منظمة العفو الدولية تقريرها الذي اشتهر بسرعة «المسلخ البشري»، والذي تحدثت فيه عن أوضاع المعتقلين المريعة في سجن صيدنايا العسكري، وعن إعدام ثلاثة عشر ألفاً منهم، على الأقل، إثر محاكمات شكلية. وبعد أسبوع على ذلك قالت Human Rights Watch إن قوات النظام نفذت هجمات بالأسلحة الكيميائية على الأحياء التي كانت تسيطر عليها المعارضة خلال معركة مدينة حلب منذ شهرين.

بالمقابل، ردت وزارة «العدل» في حكومة الأسد على التقرير الأول بأنه «عارٍ عن الصحة جملة وتفصيلاً»، لأن أحكام الإعدام في سوريا «لا تصدر إلا بعد محاكمة قضائية تمر في عدة درجات»، ويشرف عليها قضاةٌ «مستقلون في عملهم ومحترمون». وتولى الراعي الروسي الرد على الاتهام الثاني قائلاً إن تقرير هيومان رايتس ووتش أعدّه «هواة»، وهو يدمر «السمعة المثيرة للجدل أصلاً» لهذه المنظمة.

من المعروف أن حقوق الإنسان شهدت تطوراً كبيراً خلال العقود الأخيرة، على صعد البلورة والتقنين والمنظمات، مما جعلها أحد المحاور البارزة للتفكير الحديث. وفي حين اندرجت في مواثيقها دول عديدة، وآمنت بأهميتها مجتمعات وشخصيات عامة كبرى؛ فإن قوى العطالة في العالم ما تزال ترغب في عرقلة العجلة وشدّ عربة البشرية إلى الوحشية التي دخلت، دون صدفة، في عنواني كتابين مختلفين للغاية؛ الأول هو «سورية: الدولة المتوحشة» للمستعرب الفرنسي ميشيل سورا، والثاني هو «إدارة التوحش» لأبي بكر ناجي، والذي يعدّ الدليل المنهجي الاستراتيجي لـ«دولة» داعش.

كتب سورا كتابه كدراسات منفصلة نشرها باسم مستعار في النصف الأول من ثمانينات القرن الماضي، قبل أن تختطفه مجموعة مرتبطة بحزب الله ويقضي على يدها عام 1986، لتبقى هذه الأبحاث محل اهتمام نخبة من المعنيين، حتى تجرأت أسرته على جمعها في كتاب يحمل عنوان واحدة منها وأصدرته عام 2012، ليترجم إلى العربية مؤخراً. يتناول الكتاب وحشية نظام الأسد الأب في حماة، التي تمر ذكرى مجزرتها الفظيعة هذه الأيام، وفي سجن تدمر، الذي لا يمكن الحديث عن سجن صيدنايا دون استحضاره.

ثار السوريون على هذا كله، وهم يقاتلون التوحش على جبهتي النظام والتنظيم اليوم. ولأنهم كذلك فهم في سياق المثل الإنسانية العليا وقيم العصر الحديث، ولذلك سينتصرون ولو طال الطريق.