افتتاحية العدد 83

في زمن الانكسار

مرّت الأيام الأخيرة ثقيلةً على جمهور الثورة، بعد خسارة أكثر من ثلث أحياء حلب المحرّرة/المحاصرة. تضطرب الأفكار وتهتزّ القلوب مع توارد الصور المريعة. وتتطاير الاتهامات يميناً ويساراً: هو ذنب فصائل الجيش الحرّ التي غرق عناصرها في الفوضى والتجاوزات... بل جريرة تحكم الفصائل الإسلامية بالناس وانحرافها عن قيم الثورة... ولكن أين من كانوا يصدعون رؤوسنا يومياً «بشراكم»؟... بل أين من التحقوا بعملية «درع الفرات» سعياً وراء الدولار؟... ماذا حل بآلاف الانغماسيين وعشرات المفخخات ودعاوى جيش الفتح؟... ولكن أين فصائل حلب من فك الحصار عن نفسها، أم أن على إدلب والريف أن يدفعوا الثمن؟... لعن الله القائد الفلاني فهو في تركيا... بل لعن القادة داخل المدينة لا يتحدون ولا يؤازرون بعضهم بشكلٍ كافٍ في القطاعات... ما شبعوا؟!...

في معظم ما ذكر جانبٌ من الحقيقة، ممزوجةً بالكثير من المبالغات، بهدف التنصّل من المسؤولية ورميها بأي اتجاه. هذه أعراضٌ لا بد منها مع كل هزيمة، وهي من طبائع البشر أينما كانوا. وقد تبادل خصومنا اتهاماتٍ مماثلة، بين حزب الله وقوّات ما يسمّى بالنمر وبقايا قوّات النظام والطيران الروسيّ، عندما خسروا الكليات العسكرية خلال أيامٍ منذ أشهرٍ قليلة. نعم، لقد تجاوزنا وظلمنا وتشتتنا وتنازعنا، ولكن العقدة ليست هنا. فمجابهة جبروت دولةٍ عظمى تستخدم أعتى أسلحتها الفتاكة والمحرّمة، وقواتٍ على الأرض لا يزال مخزونها البشريّ، من لبنان والعراق وأفغانستان، مفتوحاً، فضلاً عن غدر ميليشيات pyd التي تؤازر النظام في اللحظات الحرجة؛ هي أمورٌ ليست سهلةً على الثائرين المدنيين الذين حملوا السلاح، ينتظرون تذخيره مرّةً وراء مرّةٍ بالقطارة، وقد بحّت أصواتهم طلباً للأسلحة النوعية التي تعطي المعركة نوعاً من التكافؤ، وتعهدوا أنهم سيتكفلون بالباقي بشجاعة.

ولكن هل هزمنا وانتهى الأمر؟ لا بالتأكيد. فالأحياء الباقية من حلب مكتنزةٌ بالمقاتلين الذي تعاهدوا على الصمود، وإخوانهم خارجها لن يتركوهم رغم نقص العتاد. وحتى لو خارت السواعد نتيجة الجوع، وفرغ مخزن البندقية فسقطت المدينة، فالثورة ليست حلب وحدها، ولن يستمرّ الاحتلال الطائفيّ بالقوّة العارية. للقلوب التي بلغت الحناجر اليوم، ولضيق الصدر والجزع الملحوظين الآن رأيٌ آخر، لكننا سننتصر.