اختبارات العذرية تعاود الظهور في المجتمع السوري بدفع من حالة الشتات والتشرذم

Illustration by Rebecca Hendin/VICE

تحفز ظروف الحرب السورية على عودة جزئية لبعض الظواهر السلبية القديمة المتعارف عليها تاريخياً في استعارة لأنماط الماضي وعاداته مع بعض التعديلات التي لا تطال جوهر الفكرة بقدر ما تهتم بشكلها الخارجي. ومن بين هذه الظواهر "شهادات اختبار العذرية" التي عاودت الظهور في المجتمع السوري بدفع من حالة الشتات، و"تسفير العرائس" إلى الخارج.

بعد أن تقدم عريس يقيم في تركيا ل"طلب يد" ابنتها ذات ال18 عاماً، قررت سلمى (اسم مستعار لسيدة من ريف دمشق) اللجوء إلى طبيبة نسائية لإخضاع ابنتها لاختبار العذرية وذلك رغبة منها في "تجنب المشاكل المحتملة عقب ليلة الدخلة".

تحتج سلمى بأن ابنتها ليست قريبة منها، وتوضح لعين المدينة بأن "الأم الموشكة على تزويج ابنتها يخطر لها خواطر كثيرة تتعلق بقضية العذرية يجعلها لا تنام الليل خوفاً وتحسباً". وتجادل بأنها سمعت عن قصص وكوارث تحدث مع فتيات في الغربة نالت من سمعة الفتاة التي يتم طلاقها في مثل هذه الحالات، وتكبر المأساة في ظل عدم وجود الأهل إلى جانبها.

وبالرغم من أن نسبة كبيرة من الشبان الذين قابلتهم عين المدينة يرفضون الفكرة من أساسها؛ إلا أن نسبة ملحوظة من الطرف الآخر (أهل العروس) يفضل -قبل إرسال العروس إلى بيت الزوجية- زيارة طبيبة نسائية لإجراء فحص العذرية باستخدام جهاز ال"إيكو"، ثم الحصول على وثيقة تثبت حالة البكارة للفتاة.

وتكشف تغريد (اسم مستعار لسيدة تقيم في دمشق) عن اضطرارها إلى استصدار وثيقة من هذا النوع خوفاً على سمعة ابنتها. وتضيف لعين المدينة أن "حوادث وقصص كثيرة سمعنا عنها حول اتهام العريس لعروسته بعدم عذريتها، وقد تكون هذه الحالة ناجمة عن حالات مرضية أو كون غشاء البكارة من النوع الحلقي المطاطي".

وفي المقابل، يرى شبان عديدون خلال حديث لعين المدينة أن لجوء اهل العروس لهذه الإجراءات يعد "مهيناً للفتاة". ويوضح راغب (دمشقي تزوج منذ سنة في لبنان) بأنه كان غاضباً من إبراز أم العروس لوثيقة مختومة من طبيبة نسائية، ويتابع "سألت ما هذه الوثيقة؟ فكانت صدمتي كبيرة حين علمت بالأمر.. هذه إهانة للفتاة التي تزوجتها".

وتؤكد الناشطة النسوية ماسة الصبان لعين المدينة أن "مجرد التشكيك بصدق الفتاة وإخضاعها للكشف أيا كان نوعه أو شكله، هو انتهاك لخصوصيتها وممارسة أحد أنواع العنف ضدها".

ويمكن تصنيف الموضوع ضمن الثقافة الذكورية التي كانت منتشرة في المجتمع السوري قديماً، وما تزال آثارها باقية حتى اليوم ضمن حلقات اجتماعية ضيقة تمارس هذه السلطة كنوع من تعزيز قوة الذكور أو التعامل مع المرأة كجسد فقط.

وتؤكد ماسة الصبان على أن من "الواجب حفاظ الأنثى على جسدها، ولكن التركيز على جسد الأنثى دون الذكر يعد دليلاً على تمييز جنس عن آخر، فقط لأن هناك وسيلة تساعد على التأكد أنها لم تمارس الجنس دون رابط شرعي. علماً أن هناك أساليب كثيرة تمكنها من فعل ذلك دون أن تفقد الغشاء، بل هناك أساليب لرتق الغشاء أيضاً".

وتتساءل حول الفائدة من هذه العملية "سوى التشكيك بصدق الفتاة وإهانتها". وتضيف بأن "هذه الممارسة تشبه عملية شراء السيارة؛ يطلب المشتري أن يفحصها لدى متخصص بالميكانيك ليتأكد من أنها بحال جيدة. هذا أمر مهين جداً، أن تعامل المرأة كأنها شيء وليست إنساناً له روح وفكر وشخصية".

ومع أن الصبان لا تتفق مع تصنيف العملية كظاهرة، لكنها ترجح أنه في حال تطورت هذه الحالات الفردية فسوف تصبح ممارسة شائعة داخل المجتمع. وتنصح الفتيات اللواتي يطلب منهن مثل هذا النوع من الشهادات ب"أن تكون واثقة بنفسها وتطالب بحقها دون أن تستخدم أسلوب مواجهة قد يجلب لها الأذى".

 انتهاك لحقوق الإنسان

لا يشير القانون السوري في أي مواده إلى مسألة اختبار العذرية لدى الأنثى بهدف إثبات البكورة من أجل الزواج.

ويقول عمار عز الدين مدير مكتب "رابطة المحامين السوريين الأحرار في هاتاي" لعين المدينة، أن هناك حالات لإثبات البكارة ينص عليها القانون السوري ويترتب عليها آثار قانونية معينة تشمل فقط طلب الطلاق بحجة "عنة الزوج"، وادعاء الزوج أن زوجته ثيب عند الدخول بها، والاغتصاب في حال كانت المعتدى عليها بكراً، وفي الحوادث التي تؤدي إلى فقدان الفتاة لعذريتها.

وفي المقابل، ينص القانون الدولي على أن اختبارات العذرية تعد انتهاكاً لحقوق الإنسان، ولا سيما من خلال الحظر المفروض على المعاملة القاسية أو اللا إنسانية أو المهينة بموجب المادة 7 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، والمادة 16 من اتفاقية مناهضة التعذيب، وكلاهما صادقت عليهما سوريا. كما أن اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة وغيرها من معاهدات حقوق الإنسان تحظر التمييز ضد المرأة، ويشكل اختبار العذرية -بحسب عز الدين- "تمييزاً ضد المرأة لأن له تأثيراً يؤدي إلى حرمان المرأة من حقوقها على أساس المساواة مع الرجل".

ويرى عز الدين أن "شهادة اختبار العذرية التي تتم قبل الزواج تمثل تقليداً اجتماعياً موروثاً يتداخل فيه الديني بالعرفي، (لكن التصرف يعتبر قذفاً للمحصنات كون طلب هذا الاختبار يعد اتهاماً ضمنياً للفتاة بسقوطها بالرذيلة وتشكيك بعذريتها وجعلها ضحية الاتهامات من المجتمع". لذلك يطالب عز الدين بإصدار قانون ينص على وقف إجراء فحص العذرية إلا بأمر من المحكمة وفق حالات محددة تقتضي إجراء هذا الكشف، "لما قد يسببه هذا الإجراء دون ضوابط قانونية من أضرار اجتماعية ونفسية على الفتاة، ويعتبر انتهاكاً لحقوق النساء ومعاملة مهينة لهن، و تعدياً على خصوصية النساء والحط من كرامتهن على أساس تمييزي".

 جذور تاريخية

ويعرف المجتمع السوري في ماضيه -مثل معظم المجتمعات- ظاهرة اختبار العذرية التي كانت تجرى بشكل بدائي وبحضور عدد من النسوة الشاهدات.

ويذكر المحامي الدمشقي نجاة قصاب حسن في الجزء الأول من مذكراته أن "من أبشع العادات التي كانت مألوفة قديماً أن يجري تسليم البنت العذراء إلى أهل العريس بعد فحص تجريه القابلة". كما يورد حديث لسيدة مثقفة عاصرها عن أن أهل عريسها اشترطوا هذا التسليم.

ولم تكن اختبارات ما قبل الزفاف في المجتمع السوري القديم هي السائد فقط، بل تجاوزها الأمر إلى ما بعد الزفاف مثل إبراز بقعة الدم على منديل أبيض. ويشير نجاة قصاب حسن إلى أن العريس كان يحمل هذا المنديل ويسلمه فوراً إلى من ينتظرنه خارج الغرفة إشعاراً برجولته وطهارة العروس، وحينها تنطلق الزغاريد وقد يطلق الرصاص احتفالاً بهذه المناسبة.