إحداث تسع جامعاتٍ خاصّةٍ لمن نجح في امتحان الثانوية بالخطأ!

بعد أن فقد نظام الأسد سيطرته على أكثر من نصف المناطق السوريّة، وبعد الدمار العمرانيّ والاقتصاديّ الذي حلّ بالبلاد، والأهمّ من ذلك كمّ الشهداء الذين ارتقوا خلال عمر الثورة، وعدد المعتقلين الذين لا يُعرف مصيرهم، وتشرّد أكثر من مئات الألوف في مخيّمات اللجوء؛ يحاول بشار الأسد أن يحسّن صورته في أعين مواليه، بإقرار مراسيم تشريعيّةٍ خاصّةٍ بالمجال التعليميّ.

جيلٌ كاملٌ ترك المدارس في هذه السنوات الثلاث وتوجّه إلى العمل، يافعين وصغاراً، بعدما أغلقت أغلب المدارس، وتوقّفت العملية التعليميّة، في حين بقيت مدارس تنظيم داعش، والمدارس الواقعة في مناطق حكم الأسد، تعمل، ولكن يسيطر عليها الفساد بكلّ أنواعه، كما يقول الأستاذ أحمد.
وطال القصف آلاف المدارس، فيما أصبحت مئاتٌ أخرى ملجأً للأخوة النازحين من المناطق الساخنة، في حين صارت بعض المدارس مقرّاً لفصائل عسكريّة.
أمّا فيما يخصّ المدرّسين فمنهم من حمل السلاح في وجه النظام، ومنهم من قُطع راتبه لأنه شارك في إحدى المظاهرات المندّدة بأفعال النظام، فيما بقي مدرّسون تحت ظلّ النظام بحجّة الحفاظ على رواتبهم. لكنّ الأطفال كانوا المتضرّر الأكبر من إغلاق المدارس، بعدما انشغلوا بالعمل من أجل إعانة أهاليهم على تحمّل مشقّات الحياة، فيما لم تتضرّر طائفةٌ قليلةٌ ممن أكملوا تعليمهم في المدارس الخاصّة ذات التكاليف العالية.
وفي هذه الظروف يخرج الأسد ليقرّ مرسوماً تشريعيّاً جديداً اعتبره البعض نتاج إجرامه في البلد، ومحاولةً لطمس آثار الجريمة، إذ يقرّر إنشاء هيئةٍ عامةٍ تحمل اسم المدرسة الإلكترونيّة من أجل إتاحة التعليم للجميع. وفي سياقٍ آخر أقرّت حكومة الأسد تراخيص تسع جامعاتٍ خاصّةٍ مؤخراً، في كلٍّ من حمص واللاذقية وحماة وطرطوس والسويداء.
ســــخر البعض من المرســـــوم، ومن كثرة عدد الجامعات بالمقارنة مع قلّة عدد الطلبة المنتسبين إليها، بعدما أصبح التعليــــم حاجة ثانويّة لمعظم الســــــوريين. وقال الشاب عبد الرزاق، الذي ترك دراسته منذ سنتين، لـ"عين المدينة": "ما نفع إحداث جامعاتٍ خاصّةٍ دون أن تمتلئ بالطلاب؟! ثمّ لن يكون التعليم متاحاً في هذه الجامعات إلا لأبناء رجال الأعمال الموالين للنظام وأبناء الأمن".

فرصةٌ تعليميةٌ للشبّيحة!

بالمقابل، أدّت الفوضى التعليميّة الحاصلة في مناطق النظام إلى تشجيع الشبيحــة على التقدّم للامتحانـات، مــستغلّين سلطتهم وطامعين بنيل الشهادة. فكانت السنوات الثلاث الماضية فرصةً لعساكر النظام القائمين على الحواجز الموجودة داخل المدن، وعناصر الأمن والشرطة، من أجل التقدّم لامتحان الشهادة الثانويّة، واستغلال الفوضى الإداريّة في مجال التعليم.
"عين المدينة" كانت قد شهدت على بعض هؤلاء الذين نجحوا في امتحان الثانويّة في مدينة الحسكة بفضل الغش، عندما قال أحدهم بفخر: "تمّ تصنيفي من الأوائل على مستوى الحسكة، بمجموعٍ ينقص عن العلامة التامّة ثماني درجات. والفضل، من بعد الله، للكتب ولأصدقائي المراقبين الذين غطّوا عليّ عندما كنت أدخل معي الكتب إلى قاعة الامتحان"!
ولم يقـتصر الأمــر علـى امتحانات الثانويّة، إنما كانت الفوضى أكبر في الحرم الجامعيّ. ومن هنا، يرى مطّلعون أنّ الجامعات الخاصّة، التي أحدثت في مناطق النظام مؤخّراً، ستكون مليئةً بالطلبة الناجحين من عناصر الأمن والشبيحة، وكلّ من استفاد من فوضى التعليم في المرحلة الراهنة.