أيها السيّد.... العبوديّة تليق بك!

جسّد خطاب حسن نصر الله الأخير، باعترافاته العلنية المتسلسلة عن تلقيه وحزبه-العصابة كلّ أشكال التمويل من إيران، بما فيها من رواتب وسلاحٍ وتدريبٍ وكلّ أشكال المصاريف؛ نقلةً نوعيةً في إعلان تبعيته المطلقة للـوليّ الفقيه أكثر من تبعيته «للجمهورية الإسلامية».

ليس سراً القول بازدواجية السلطة في إيران، بين الوليّ وأجهزته المخابراتية المتمثلة في الحرس الثوريّ وغيره، وبين مؤسّسات «الجمهورية»، وهي ازدواجيةٌ محسومةٌ لصالح الوليّ بشكلٍ قطعيّ. كما ليس خافياً على أيّ متابعٍ أن حزب الله كان أحد الأدوات التي أنشأتها الأجهزة الإيرانية كذراعٍ للحرس الثوريّ في المنطقة ضمن أيديولوجيا ما يعرف بتصدير الثورة، ومهمته الأساسية تفتيت المجتمعات القائمة وخلق مراكز قوىً عسكريةٍ تعيق، بل تمنع، أيّ تطورٍ للمجتمعات والدول ما لم تتوافق مع الطموح الإيرانيّ.

لكن الذي استطاع هذا الحزب-العصابة أن يمرّره خلال السنوات الثلاثين الماضية هو أن يوهم الكثير من «محبّي» النضال ضد الإمبريالية بأنه حزبٌ مقاومٌ ضدّ اسرائيل وداعمتها أميركا، فجذب الكثير من أصوات اليسار العربيّ بشقيه القوميّ والماركسيّ. وعملياً لعب هذا الحزب، في جزءٍ من مسار نشوئه، دوراً في الصراع مع إسرائيل، لا بغاية استرداد الحقوق وإنما بغاية كسب شرعيةٍ محليةٍ ذات طابعٍ وطنيٍّ تغطي الجوهر المذهبيّ والدور الوظيفيّ له.

ولكن ما إن جاءت الثورة السورية ضد أعتى نظامٍ استبداديٍّ في المنطقة، والحليف المزمن للحزب، كما الممرّ الأساسيّ لكل أشكال دعمه من إيران؛ حتى كشف هذا الحزب عن وجهه الحقيقيّ المتمثل في الوقوف ضد تطلعات الشعوب إلى الحرية والكرامة. فعمل على تفتيت المجتمع السوريّ عبر خلق ميليشياتٍ طائفيةٍ بامتيازاتٍ عدّة، لكنها متمحورةٌ حول عقيدة المظلومية الكاذبة، تكشف مدّى ادّعاءه عند الحديث عن عدائه -هو والنظام الاستبداديّ- لإسرائيل ضمن ما يُعرف بـ«الممانعة». فأعلن أن معركته الحقيقية هي في سورية، وهي التي ستمهد أو ستفتح الطريق نحو القدس، وبالتالي فإن ما يجري في سورية يندرج ضمن إطار محاربة إسرائيل وأمريكا، كما ذكر السيد-العبد مؤخراً أنه لو وافق بشار الأسد على المخططات الإسرائيلية والأمريكية لتوقفت الحرب في سورية في اليوم التالي! ويؤكد كلامه الهزليّ هذا أنه كلما قصفت إسرائيل مواقع للنظام أو للحزب زاد قصفه لباقي المدن والقرى السورية. فالطريق إلى القدس، كما يتخيله السيد، لا بدّ وأن يمرّ من ريف حلب الجنوبيّ والشماليّ.

فالحزب-العصابة، بعقيدته المعلنة منذ زمنٍ والملتزمة بتوجيهات وتعاليم الوليّ كجانبٍ أيديولوجيٍّ في تشكيله، أتى اليوم ليكشف عن تبعيته الكاملة للمصالح المذهبية الإيرانية بكونه يتلقى منها كلّ ما يخص عمليات التمويل والتسليح (من المعاش حتى الصواريخ)، وهو الركن الثاني في تشكيل الحزب. أما ثالث الأسّس، وهو الانتماء الوطنيّ، فهو ما لا يعرفه السيد. فلن تتعدّى الوطنية لديه حدود الطائفة التي استطاع بماله وأجهزة الرعب التابعة له انتزاعها من محيطها الوطنيّ وتحويلها إلى جسدٍ غريبٍ يتبع البلد-الأم: إيران. فعبر مسيرته التي تمتدّ لأكثر من ثلاثة عقود، رافقت صعود الجمهورية الإسلامية كقوّةٍ إقليميةٍ محورها العقيدة المذهبية، استطاعا -وضمن دورهما- تفتيت العديد من المجتمعات العربية، وتشكيل هويةٍ جديدةٍ للطائفة الشيعية عمادها الوليّ الفقيه ومصالح الجمهورية الإيرانية، ونزع هذه الطائفة من النسيج الوطنيّ لبلدانها، وخلق حالةٍ من التوتر والعدائية المذهبيتين. ولم تقتصر هذه الطموحات على السكان، بل ذهبت إلى منازعة حتى الأنظمة الموالية، كما يجري في سورية. فطموح إيران وحزبها اللبنانيّ أكبر من مشروع آل الأسد بالحفاظ على السلطة، ويمتدّ إلى اجتياح المجتمع وتغيير التركيبة السكانية والمذهبية للبلاد بعملياتٍ قسريةٍ عنيفة.

ما تجلى في خطاب نصر الله الأخير، من نزع ورقة التوت عن «ممانعته» ونضاله لتحرير فلسطين، بإعلانه أن المعركة الحقيقية والاستراتيجية هي في حلب والبقية مجرّد تفاصيل، إضافةً إلى تفاخره بتلقي الدعم بكلّ أشكاله من «الجمهورية» (طالما في فلوس في إيران، فالحزب قائم)؛ لا يعبّر إلا عن قضيةٍ جوهريةٍ واحدةٍ هي طائفية هذا الحزب الذي تحوّل إلى ميليشيا تقاتل إلى جانب النظام الاستبداديّ وتمارس أبشع أشكال المذابح في حقّ السوريين بأوامر مباشرةٍ من الوليّ الفقيه وحرسه الثوريّ وخدمةً لمشاريعه، وبالتالي رابطاً مصيره بشكلٍ كاملٍ بمصير نظامٍ استبداديٍّ سيزول لا محالة وستزول معه كلّ ميليشيات الحقد الطائفيّ.

لقد كشفت ثورة السوريين أن السيد ليس سوى عبد، وأن الحزب ما هو إلا ميليشيا طائفية!