أشعر بالقنوط من أولئك الذين يبكون على قاسم سليماني

تشارلز لولي*
9 كانون الثاني عن مجلة The Spectator البريطانية
ترجمة مأمون حلبي

بعد بضع ساعات من بداية العام الجديد، استهدفت القوات الموالية للأسد مدرسة في جنوب إدلب بقنبلة عنقودية. وقع القصف في الساعة 11 صباحاً، حين كان من الواضح أن المدرسة ستكون ممتلئة بالطلاب، وكانت الحصيلة مقتل خمسة أطفال. كانت أعمار اثنين من الضحايا ست سنوات، وأكبر الأطفال الضحايا كان عمره فقط 13 عاماً. بالإضافة إلى الأطفال الخمسة، قُتِل أربع أشخاص راشدين.

أبداً لن يُفارق مخيلتي وجها يحيى وحور، الطفلين البريئين بعمر ست سنوات، اللذين كانا من ضمن الأطفال الضحايا الذين كانوا يدرسون – وماتوا – في المدرسة التي تُديرها المنظمة التي أعمل لصالحها. ليست هذه أول مرة تُدمّر فيها إحدى مدارسنا. في الحقيقة، تم قصف ست من مدارسنا في الشهور الستة الأخيرة، وليكن بمعلومكم أن هذه حملة قصف واضحة ومنظمة ضد مدارسنا. رغم ذلك، ومع دخول الحرب الأهلية في سوريا عامها التاسع، يبدو ردُّ الفعل على هذه الجرائم الفظيعة خافتاً. عوضاً عن ذلك، يظهر أنه يتم توجيه الغضب إلى مكان آخر.

بعد يومين من الهجوم على مدرستنا الذي حصل في أول أيام السنة الجديدة، قُتِل قاسم سليماني، الجنرال الإيراني، بضربة جوية أمريكية قُرب مطار بغداد. كثيرون من أصدقائي تملكهم غضب شديد من هذا العمل. لكن لماذا؟ هل كانوا قلقين من التأثير الذي سيخلفه قتله على المنطقة؟ لا، لأنهم لم يكونوا قد سمعوا باسم سليماني إلى أن ذاعت أخبار مقتله. كانوا لا يعرفون شيئاً يُذكر عن نفوذه وتأثيره في سوريا ولبنان والعراق واليمن وأماكن أخرى بعيدة. كانوا غاضبين لأن موته نتج، بكل بساطة، عن قرار اتخذه دونالد ترامب. ترامب شخص سيء، لذا كان مقتل سليماني أمراً سيئاً – هكذا بدا المنطق الذي يعتمدون عليه. 

قلة قليلة أولوا انتباهاً للجرائم ضد الإنسانية التي يُتهم بها سليماني. عقب مقتل سليماني تحول كثير من أصدقائي على الفيسبوك إلى خبراء في السياسة الخارجية، متنبئين بأن الحرب العالمية الثالثة لا مفر منها. قالوا بأن الأمر برمته كان غلطة ترامب. ارتفعت وتيرة الحماس لديهم بعد عملية الرد الإيراني ضد القواعد الجوية الأمريكية. لا تُسيئوا فهمي هنا، أنا لست من أنصار ترامب. لو كان لديّ ما يكفي من الوقت والمال مع التزامات أقل لركبت الطائرة وتطوعت لصالح حملة جو بايدن أو بيت بوتيغيغ. 

آمل شديد الأمل أن يخسر ترامب انتخابات تشرين الثاني القادم. كان العالم سيكون مكاناً أفضل لولا وجود ترامب في البيت الأبيض. لكن لنبتعد عن رسم أي تماثل زائف بين ترامب وسليماني. ما يُثير غضبي هو نفاق أولئك الذين يرفعون أصواتهم بخصوص عدم عدالة قتل سليماني، ومع ذلك يبقون هادئين عندما يتعلق الأمر بقصف الأسد العشوائي على الأطفال. 

وفي حين كان منتقدو ترامب مشغولين بالشكوى من تجاوزاته، ماذا عن الإبادة الفعلية التي تُرتكب بحق المسلمين الروهينغيا في ميانمار؟ وعمليات السجن الجماعية في معسكرات الاعتقال للمسلمين الإيغور في الصين؟ والعنف الموافق عليه حكومياً ضد المحتجين المناصرين للديمقراطية في هونغ كونغ وفنزويلا وروسيا؟ 
مع ذلك، عندما يزور ترامب لندن –أو يأمر بموت شخص شرير– لا يوجد نقص في أعداد الناس الذين يريدون الاحتجاج. أما في سوريا، فالموقف من قصف مدرستنا التالية مشروط. عندما سيحصل الأمر المحتّم، يبدو أن عدداً أكبر من الناس سيغضبون لو كان ترامب هو المسؤول وليس بشار الأسد. ويبدو أن ديكتاتور سوريا لديه بطاقة مرور مجانية من كثير من الناس على وسائل التواصل الاجتماعي، بخلاف رئيس الولايات المتحدة المنتخب ديمقراطياً.

هذا الموقف هو انعكاس محزن لنفاق أولئك (وهم بأغلبهم ينتمون لليسار البريطاني) الذين كانوا فيما مضى في طليعة المحتجين على المظالم العالمية، من نظام الفصل العنصري في جنوب أفريقيا والمجاعة في أثيوبيا إلى حرب العراق. أما الآن، فيبدو أن شهيتهم لتنظيم حملات ضد عمليات القتل بحق المدنيين الأبرياء –المرعية من قِبل الدولة– دون ردّ عقابي، هذه الشهيّة قد تبخّرت وحلّ محلها غضب من فوز أمثال ترامب بالانتخابات.

منذ مقتل الطفلين يحيى وحور في الأول من كانون الثاني والغضب يعتمل في داخلي. في سوريا، الأطفال يموتون، مع ذلك يتعامى الكثيرون عما يحدث هناك. وعوضاً عن ذلك، يوجهون غضبهم الهائج إلى ما يشجبه جيرمي كوربن على أنه "القتل الطائش وغير القانوني للجنرال الإيراني فاسم سليماني". 

لنُعفي أنفسنا من البكاء على سليماني. عوضاً عن ذلك، فلنبكي على 370 ألف شخص قُتِلوا حتى الآن في الحرب الأهلية الدموية الدائرة في سوريا.

 

*تشارلز لولي: يعمل لصالح منظمة غير حكومية معنية بالمساعدات الإنسانية