آثار الحرب على نفوسِ أطفالنا

عدسة إحسان | خاص عين المدينة

آثار الحرب على نفوسِ أطفالنا
مستقبلٌ غائمٌ يلفُّ جيلاً لم يعهد الكوارث من قبل

تقترب الحرب السورية من إكمال عامها الثالث، بعنفٍ لم يُعرف له مثيلٌ في شدّة تدميره وعبثيته، التي يدفع الشعب السوري ثمنها من دمه وروحه وحاضره ومستقبله.

وفي الحرب يستنفذ المرء كل طاقاته في تفادي المخاطر والبقاء على قيد الحياة. فمن الناس من يعبّر عن حالة الصدمة مباشرةً بالقلق والأرق والبكاء، ومنهم من يعتمد آلية دفاعية هي التأجيل، ليعيش الصدمة بعد حين. وتختلف آثار الصدمة النفسية الناجمة عن الحرب وفقاً لفئتين من الأشخاص؛ تشمل الأولى منهما الأشخاص الذين عاشوا حروباً سابقة، ومازالوا يحتفظون بالذكريات الموجعة، أما الثانية فتضم الجيل الجديد، الذي يتعرّض لصدمة الحرب لأول مرة، ومنهم الأطفال.
ويقول أحد صيادلة دير الزور: كثر الطلب على أدوية كنا بالكاد نبيعها قبل أن تقوم الثورة.. وهي العقاقير المهدئة والأدوية التي يتناولها المرضى النفسيون. والمشكلة الكبرى أن أكثر الوصفات التي نقوم بصرفها هي لأطفال دون سن الرابعة عشرة...
ونستطيع تمييز الأعراض الناتجة عن تبعات الكوارث والحرب على الأطفال والمراهقين، إذ تتخذ عدة أشكالٍ، من بينها الحركة الزائدة، والقلق الحاد، والانحلال الجسدي، والكوابيس الليلية، والهلوسات الناتجة عن استعادة مخاوف النهار أثناء النوم.

 

الآثار السلوكية للقلق:

عندما يصاب الأطفال بالقلق نتيجة صدمات الكوارث والأزمات، ينعكس ذلك على سلوكهم بمجموعةٍ من الآثار السلوكية، التي تتمثل في:
1-  التمرّد:  إذ يصرّ الطفل على تنفيذ ما يريد، خارجاً عن تعليمات الكبار وقوانينهم.
2- زيادة الحركة: كتنقّل الطفل من مكانٍ إلى آخر، وعدم استقراره في مكانٍ واحد.
3- قضم الأظافر: ونشاهد هذه الظاهرة حتى عند اليافعين.
4- العدوانية: تزيد الأزمة والحرب من إحباطات الطفل، فيولّد العنف الخارجي الواقع عليه عنفاً داخلياً، يترجمه سلوكاً عدوانياً تجاه نفسه والآخرين.

 

اضطرابات النوم عند الأطفال:

يحدث في الثلث الأول من الليل، حين يستيقظ الطفل صارخاً باكياً هلعاً خائفاً. وتصاحب ذلك سرعةٌ في دقات القلب، وجحوظٌ في العينين، وارتجاف الأطراف، وتصبّب العرق.
الاكتئاب: عند مشاهدة الأطفال لأهوال الدمار والموت، وصرخات ذويهم وجيرانهم واستنجادهم، وفي حال مشاهدة الطفل لحالات وفاة مروعة لأشخاصٍ مقرّبين منه، أو جثثٍ مشوهة، أو حالة عجزٍ لدى مصادر القوة بالنسبة إليه، مثل الأب والأم؛ يصاب بصدمةٍ عصبيةٍ قد تؤثر على قدراته العقلية.
ويدخله تكرار ذلك في حالة اكتئابٍ وانطواءٍ نفسي تتخللها عدوانيّةٌ وحقدٌ غير موجهين. وتظهر الأعراض على شكل مزاجٍ مكتئب، وحزنٍ ظاهر، وشعورٍ بالفراغ، وميلٍ للانعزال، وفقدان الشهية والوزن.

 

آلية التعامل مع الطفل في ظل هذه الانعكاسات:

توفير أجواء الأمان للأطفال، وإعادة ترسيخ الشعور بالحماية والأمن، من خلال إقامتهم في مكانٍ بعيدٍ عن الخطر والتهديد.. وتشجيعهم على مواصلة نشاطاتهم الاعتيادية أو خلق بدائل لها، ومساعدتهم في فهم انطباعاتهم وردود أفعالهم تجاه المواقف الصادمة، والتحدث معهم عمّا يخيفهم، وتكليفهم بأنشطةٍ بدنيةٍ وألعابٍ وأغاني وورشات رسمٍ، للتخفيف من حدّة التوتر والضغط النفسي، وتكليفهم بأعمالٍ ومهام صغيرة لتقوية إحساسهم بكفاءتهم، وتقديم الإرشاد النفسي للطفل المعرّض للصدمة.
الطفل بحاجة إلى الشعور بحب وحنان من حوله، وخاصة المقربين منه. وأي محاولةٍ لعلاج المشكلة بشكل ظاهري دون الدخول إلى الجوهر ستفشل، وتزداد حالة الطفل سوءاً.
وفي الختام نقول:
لا يمكن لأية تدابير أن تمحو الصدمة من النفوس بشكلٍ نهائي، ولكن بعض الإجراءات قد تساعد على الخروج منها بأقل ضررٍ ممكن. ويبقى أن نقول: إن تماسك الأهل ضروريٌ جداً أثناء الحروب، لأن الوالدين هما مثال القوة في نظر الطفل، فإن ظهرا بحالةٍ من الضعف والاضطراب فإنهما يحطّمان الصورة التي رسمها لهما الطفل في مخيلته، مما يعزّز لديه الغوص في أزمته النفسية،
ويدفعه إلى الانطواء، ويقلل من فرص نجاته وشفائه.