عبد الوهاب الخلف - غوركان أويغون

في بداية الثورة السورية التي اندلعت مطلع العام 2011، لجأ أغلب الناشطين في تنسيق المظاهرات ضد النظام للعمل بأسماء مستعارة، وأخرى حركية، خشية ملاحقتهم من مخابرات النظام أو مداهمة منازل ذويهم، ولكّن الأسماء الحركية التي أطلقها المقاتلون على أنفسهم، أو أُطلقت عليهم وألِفوها، لم تكن من باب الخشية من النظام، بقدر ما كانت جذباً للانتباه، وتأثراً بما تحمله الشخصية المستلهَمة من شجاعة وإقدام، أو سخرية حتى، ويميز غالبيتها أنها مستعارة من أسماء أبطال المسلسلات، والتركية منها على وجه الخصوص.

 كان للمسلسل التركي الشهير «وادي الذئاب» الحصة الأكبر في التأثير على جعبة مفردات الخيال الشعبي بهذا الخصوص. ويظهر ذلك في انتشار أسماء أبطاله كألقاب حركية تبناها مقاتلون في الجيش السوري الحر، سواء أطلقوها هم على أنفسهم، أم أٌطلقت عليهم من قبل أقرانهم لـشبه في الشكل أو الطباع، حسب ما ذكر لـ عين المدينة أحد القادة العسكريين، والذي أُطلق عليه لقب «ميماتي»، الاسم الأكثر رواجاً في صفوف مقاتلي الحر.

كثير من المقاتلين في الجيش الحر، وأغلبهم قادة عسكريون، اتخذوا من «ميماتي» اسماً حركياً، وبات لصيقاً ببعضهم كاسم لا يعرف إلّا به، فيما لم ينل آخرون الشهرة ذاتها. ومن أبرز الأشخاص الذين عُرفوا بـ «ميماتي»، الملازم أول (عبد الوهاب الخلف) كان ضابطاً في الشرطة الجنائية التابعة لقوات النظام بمدينة منبج، ولكن حسب مقرّبين منه عُرف بـ«ميماتي» قبل اندلاع الثورة، واشتهر به عقب انشقاقه مطلع العام 2012 وانضمامه إلى صفوف الثوار، ومن ثم قائدا عسكرياً في «مجلس منبج العسكري» قبل أن يصبح قائداً لـ«لواء الأمة» في الجيش الحر.

وكان لـ«الملازم خلف/ ميماتي» شهرة واسعة في مدينة منبج التي أعلن انشقاقه فيها خلال مظاهرة في المدينة. وعندما فُقد في شهر آب عام2013 قرب حاجز «المقص» عند مدخل مدينة الرقة، خصصت (هيئة أركان الجيش الحر)، حينها، مبلغاً قدره مئة مليون ليرة سورية للجهة التي تعثر عليه، كما خصصت عشيرة «البوسرايا» التي ينتمي إليها مبلغاً مشابهاً، ليصدر تنظيم الدولة عقب ذلك حكماً بإعدامه بتهمة «قتل مدنيين عزّل»، وأشار ناشطون حينها أنه معتقل لدى التنظيم في «سجن القبو» بمبنى محافظة الرقة.

«ميماتي» أو «ميماتي باش» الشخصية الأبرز في مسلسل (وادي الذئاب) -جسّدها الممثل التركي (غوركان أويغون )- والصديق الوفي للشخصية المحورية في المسلسل «مراد علم دار»، خاض معه معظم عملياته الأمنية حفاظاً على الأمن القومي في تركيا، حسب المسلسل. كان معروفاً بشجاعته وتهوّره ومواقفه الساخرة، حتى في لحظات القتال، ما جعل من اسمه رمزاً يحيل إلى مدلول أو نموذج، ويشير بالتالي إلى شخصية تحظى برواج واحترام في أوساط شعبية واسعة، تتحلى بالإقدام والمرح والوفاء.

ومن القادة العسكريين الذي حملوا لقب «ميماتي» القائد العسكري في «لواء رعد الشمال» طارق مصطفى الجنيد، الذي قال لـ عين المدينة، إن ذويه وأصدقاءه أطلقوا عليه هذا اللقب، لما يحمل من طباع قريبة من شخصية «ميماتي» في المسلسل من حيث الشجاعة والاندفاع في المعارك، والروح الجدّية والساخرة في نفس الوقت. وأضاف الجنيد، أن «ميماتي» ذكر في إحدى حلقات المسلسل عندما سأله صديقه «مراد علم دار» عن سبب تسميته كذلك، أجاب بأن ولادته تسبّبت بمقتل أمه، وأنه «ولد مع الموت، وأصبح والموت أخوة»، واسمه هو نتيجة عدد كبير من الناس الذين قتلهم، كونه كان قاتلاً مأجوراً يعمل لصالح «المافيا»، إلّا أن «الجنيد» أراد أن يجعل من اسمه «مقتلة لجميع أعداء الثورة السورية، وخاصة قوات نظام الأسد والميليشيات المساندة لها».

يستذكر «ميماتي» آخر، وهو لقب المقاتل في (غرباء الشام) سابقا عبد الحميد الحزّوري، مقولة لـ «ميماتي الأصلي» قال إنه كان يرددها في معظم جلساته مع رفاقه، وخلال الاشتباكات، «أنا ما بتخبّى ورا أيا صخرة، ولدت ع الواقف، وعشت ع الواقف، ورح موت ع الواقف. أنا ضهري ما بسندو ع التراب، حتى ع القبر رح أنزل واقف، مشان ما يدّعي التراب علي ويقول إني انسندت عليه ويحملني منيّة»، مشيراً إلى سعادته بهذا اللقب الذي أطلق عليه لشبهه بشخصية «ميماتي» المسلسل. وعلى الرغم من كثرة المقاتلين، وخاصة القادة، الذين حملوا لقب «ميماتي»، إلّا أن الأمر لم يقتصر على «ميماتي» فحسب، فالأسماء الحركية تكاد تكون لصيقة بجميع المقاتلين، ويشكل تنوعها قصصاَ مثيرة وشبكة معقدة من التأثيرات والرموز، لكن ارتباط كثير منها بأبطال وشخصيات الدراما التلفزيونية يدفع للتساؤل عن مدى تأثير الدراما بالثقافة الشعبية، أو انعكاس الأخيرة عليها.