«الكُبَر النووي» و«كونيكو للغاز» أهم سجون داعش الأمنيّة في دير الزور

يتبع المحققون والجلادون والحرّاس في السجون المخصّصة للمتهمين بتهمٍ خطرة (تمسّ أمن داعش) للجهاز الأمنيّ للتنظيم. وتعدّ هذه السجون مقرّاتٍ أمنيةً خالصةً قد يترأسها مسؤولون كبارٌ في هذا الجهاز تتعدى وظائفهم -في معظم الحالات- إلى أعمالٍ أشد أهميةً من مجرّد إدارة السجن والتحقيق مع المعتقلين فيه.

ومثلما يحيط الغموض بجهاز داعش الأمنيّ يحيط بسجونها تلك، لكن الشهادات التي يرويها ناجون أو مفرجٌ عنهم أو منشقون عن التنظيم تسهم في كشف جوانب جزئيةٍ عنها. يقول (م. ص)، الذي كان مسؤولاً عسكرياً متوسط الأهمية في «ولاية الخير» (محافظة دير الزور) قبل أن ينشق عن التنظيم، إن جميع مقرّات داعش الأمنية تحوي سجوناً تتفاوت حجومها حسب عوامل عدّةٍ منها رتبة الوحدة الأمنية التي تدير هذا المقرّ، بدايةً من المفارز في البلدات والمدن إلى الفروع في مراكز «الولايات» السورية، وانتهاءً بقيادة الجهاز الأمنيّ في مدينة الرقة. وأحياناً يُنقل بعض المتهمين شديدي الأهمية إلى العراق لاستكمال أو إعادة التحقيق معهم. ويروي هذا الشاهد قصة اعتقاله في بيتٍ واسعٍ في بلدة مركدة (90 كم تقريباً شمال دير الزور) وتعذيبه هناك على يد كلٍّ من الأمنيَّين أبو خلف التونسي وأبو ريتاج الأنصاري (من عشيرة البكيّر)، قبل أن يفرج عنه ويلبث وقتاً قصيراً مع التنظيم ليهرب بعد ذلك.

تعرّض كثيرٌ من مقرّات داعش الأمنية وسجونها لهجمات طائرات التحالف الدوليّ. وفي معظم المرّات كان بين القتلى سجناء لدى التنظيم، مثلما حدث في قصف سجنٍ كبيرٍ لداعش في مدينة الشدادي قبل سيطرة حزب pyd على المدينة في شهر شباط الماضي، ليبلّغ التنظيم حينها عدداً من أهالي المعتقلين بمقتل أبنائهم في غارات التحالف دون تحديد المكان. وكذلك الأمر في الموقعين الرئيسيين لحقلي العمر والتنك النفطيين شرقي دير الزور، وقبلها في منجم الملح قرب مدينة التبني غرب دير الزور. وبسبب هذه الغارات تبدّل داعش مقرّاتها الأمنية باستمرار، وتلجأ إلى اتخاذ بعض البيوت المصادرة في المدن والبلدات والقرى مقرّاتٍ وسجوناً صغيرةً لا تلبث أن تخليها إلى أخرى بعد شهرين أو ثلاثة، وربما تعود إلى مواقع كانت قد تعرّضت للقصف في وقتٍ سابقٍ وظلت بعض أبنيتها أو أجزائها صالحةً للاستعمال. لكن، ورغم هذا التغيير الدائم، ظلت بعض السجون والمقرّات الأمنية في مواقعها، مثل بعض المنشآت في موقع معمل كونيكو للغاز قرب بلدة خشام شرق دير الزور، وموقع الكبر النووي (60 كم غرب دير الزور) شديد التحصين في وادٍ ضيقٍ بين جبلين.

بعد احتلالها دير الزور، صيف العام 2014، استعملت داعش بعض مقرّات الفصائل العسكرية سجوناً، إضافةً إلى بعض المدارس والأبنية الحكومية. ثم أخلتها مع اكتمال جهازها الأمنيّ لتتخذ أبنيةً ومدارس أخرى لتكون سجوناً أمنيةً خاصّةً بعد تجهيزها بأبوابٍ معدنيةٍ محكمة الإغلاق وتقسيمها إلى غرفٍ صغيرةٍ جداً لتكون زنزاناتٍ انفرادية.

لا تخضع سجون داعش الأمنية لسلطة القضاة والمحاكم أو أيّ سلطةٍ أخرى في التنظيم سوى سلطة الأمنيين. وداخل السجون تطلق أيدي الجلادين والمحققين في التعذيب الوحشيّ بغاية انتزاع الاعترافات المودية في غالب الأحوال إلى حكم الإعدام. وقد تكون أوامر القادة الأرفع شأناً في الجهاز هي أن يموت المتهم تحت التعذيب سواء اعترف أم لم يعترف. ومن النادر أن يخضع أيّ مسؤولٍ أو محققٍ أو جلادٍ لأيّ محاسبةٍ جادةٍ داخل التنظيم على قتل أبرياء ليست لهم صلةٌ بما ينسب إليهم من تهم. فعلى سبيل المثال قُتل على يد عنصرٍ مصريٍّ يدعى شامل عشرات المعتقلين في سجنٍ أمنيٍّ في مدينة الميادين، ثبتت براءتهم لاحقاً بالأدلة القاطعة دون أن يحاسب هذا القاتل أبداً. وكذلك حال أبو عثمان الليبيّ، المسؤول الأمنيّ في حقل العمر النفطيّ ومعمل كونيكو للغاز، الذي يفضّل أن يبقي على حياة قلةٍ من مسجونيه لقتلهم لاحقاً في حفلات الإعدام العلنية بينما يجهز تحت التعذيب على الأغلبية، في حين لا يأنف أبداً من قبول الرشى الكبيرة مقابل إطلاق سراح مسجونين أثرياء. ومثلهما أيضاً أبو أنس الشامي وأبو يعقوب (محامٍ سابقٌ من محافظة الرقة) وغيرهم. لكن الأشد وحشيةً بين الجميع كان أبو أسامة العراقي، وهو أحد قادة الصف الأول في داعش كما يقال، والذي وزّع جرائمه الكثيرة بين دير الزور والحسكة والرقة إلى حين مقتله في غارةٍ لطائرات التحالف قبل عام.