Assad.. For Dummies اللغة والمعنى ليسا من شيم السَّفاحين

تُطبع في أميركا منذ تسعينيات القرن الماضي سلسلة كتب شهيرة اسمها "For Dummies"، والمعنى حرفياً (للأغبياء)، وهي سلسلة تبسيطيّة تقدّم معلومات أوليّة عن مختلف المواضيع للقراء المبتدئين، وطبعاً للأغبياء أيضاً، كما يشي عنوانها المرجعي.

ما المناسبة هنا؟

خطاب الأسد أمام مؤتمر وزارة أوقاف النظام في جامع العثمان بدمشق أوائل كانون الأول الحالي، المحاضرة التوعوية التعبوية الدينية التي ألقاها على مسامع المشايخ المنبهرين بسعة "اطِّلاعه وعلمه" والمأخوذين -لم يكونوا وحدهم للأمانة- بحصافته ودقَّته وموضوعيته، ويمكنكم هنا أن تضيفوا ما تيسَّر لكم من نُعوت وإحالات مصدرية من النوع الذي خوّل وزير الأوقاف أن يدفع مؤشر النشوة إلى حد المقارنة بين الأسد -المعروف على نطاق واسع عالمياً بالحيوان- وبين الخليفة الثاني عمر بن الخطاب رضي الله عنه.

ما علاقة السلسلة الأميركية بالقصة؟

لا يمكن الاستنتاج أنّه حصل على معلوماته عن الإسلام والنيوليبرالية والتطرف، بل وعن المجتمع السوري منها، هذا مُستبعد حقاً بالنظر إلى أنّ السلسلة الأميركية تقدم "معلومات صحيحة"، وهذا ما لا ينطبق على أيّة كلمة نطق بها الأسد في المحاضرة التي طافت أصداؤها أرجاء مواقع التواصل بين دفتي الحماسة والغيظ.

"الأغبياء" في هذا المشهد كانوا متواجدين منذ البداية؛ خلف الطاولة وأمامها وعلى شاشات المواقع -ناهيك عن المحترفين منهم في إعلام الممانعة- يحتفلون بالتخرصات الخرقاء واحدة تلو أخرى، ويفكِّكونها على أمل إيجاد دالَّة تاريخية في كلام الأسد.

بالله عليكم، كيف يمكن لشخص يقارن بين الأسد وعمر بن الخطاب ألا يكون غبياً؟ وكيف لشخص يصدقه، أو حتى يدعي تصديق هذا الهراء، ألا يكون أكثر غباء؟

لا يستحق بشار الأسد كثيراً من الجهد في تفسير ما يقول، الواقع أنه لا يستحق أي جهد على الإطلاق؛ لأنّه ببساطة يعيد تزييف معلومات مزيفة، لإقناع رهط لا يكترث للاقتناع، طالما كان البيان صادراً من كبير الشبيحة الذي تحيده آلياتهم الدفاعية تلقائياً عن أي سؤال ذي معنى.

إذا كان من الضروري تفسير الأسد، فهذا أمر من اختصاص علم نفس الجريمة -على الأقل حتى تستقر معالم علم نفس الإرهاب أكاديمياً- باعتباره العلم الذي قد يمكنه شرح الطرائق التي تتكشف عبرها عقده النفسية وشخصيته المضطربة. أمّا أن يكون لأحد متسع ذهني يتيح لتخرصات وتخاريف مشتقة من كتاب "التربية القومية" البعثي، الذي نهب عقول أجيال من السوريين، أن يضيف إلى معلوماته شيئاً أو حتى أن ينشغل بنفيها دفاعاً عما يعرف؛ فهذا ترف مفرط وعبثي. 

وحتى المحاججة بأنّ كلام الأسد يؤثر في جزء من السوريين ويدفعهم نحو خيارات قاتلة ستنتفي إذا فُهِم أن الولاء التلقائي هو ما يحرك هؤلاء وليس القناعة بحد ذاتها.. القناعة فعل يقوم على الرضا لا على الخوف، ولا قيمة لقناعات الفزع من انتقال وحشية الأسد ونظامه إلى الجانب المؤيد من السوريين، فهي في الحقيقة نتيجة لانعدام القناعة بما يهرف أكثر مما هي نتيجة لفهم ما يقول.

الأسد ينتمي إلى النوع السيكوباتي من الطغاة الذين يقولون ما يقولون لأنهم يريدون ملء فراغ حضورهم خارج إطار المذابح، فأيّ ولاء هذا الذي يقف على أرض الأمان من تعذيب مؤجل؟

لا يستحق الأمر في جوهره تفنيداً دفاعياً أو تحليلاً وصفياً، يمكن فعلاً الاهتمام بما يقول الأسد في حالتين: الأولى حين يعطي أمراً بمذبحة كيماوية أو تقليدية، والثانية أمام المحكمة.

ثمة دمار وحشي ارتكبه، وانخراط كامل متعمَّد في جريمة إبادة جماعية متكاملة الأركان، هذا فقط ما يجب الاستماع إليه من الأسد. اللغة والمعنى ليسا من شيم السفاحين.