والطلاب يصارعـون البرد أيضاً

أطفال نازحون في الميادين | عدسة عبود

أضاف شتاء 2013 همّاً جديداً إلى قائمة الصعوبات التي تعاني منها مدارس دير الزور وريفها. فبالإضافة إلى الفوضى، وعدم توفر الكتب، واكتظاظ المدارس بالنازحين إلى جانب الطلبة، ونظام الثلاثة أفواج المتعب وغير الكافي لإنجاز العملية التدريسية بالشكل الصحيح؛ يأتي البرد ليحيل الدوام إلى شكلٍ من أشكال المعاناة المستمرّة طيلة فترة الشتاء.

 

الوافدون ومدافئ المدارس

مجود واحدٌ من القاطنين في إحدى المدارس. وعندما استضافنا في منزله المكوّن من صفٍّ دراسيّ، هنأته بوجود مدفأةٍ في هذا البرد القارس، فأخبرني أنه أخذها من المدرسة التي يقيم فيها، وأنه سوف يعيدها فور انتهاء النزوح، ولولا ظرفه المادي الصعب لما لجأ إلى ذلك. أما عن الوقود الذي يستخدمه فهو أرخص نوعٍ للمازوت موجود في الأسواق المحلية، إذ يباع الليتر منه بخمسين ليرةٍ سورية. وهو رديءٌ حتى من ناحية شكله الظاهر، فهو قاتم اللون وغير مكرّرٍ بشكلٍ صحيح، ولكنه يقي برد الشتاء. وعن الأضرار الصحيّة التي يسببها قال مجود إن التعرّض لهذا البرد الكافر أقوى من الموت البطيء الذي تسببه هكذا محروقات رديئة.

 

نقصٌ شديدٌ بالمدافئ والوقود

عــامــر طفـــلٌ في الصـــف الرابـــع الابتدائي، نازحٌ مع أسرته في قرية بقرص تحتاني. حدّثنا عن صعوبات الدوام في مدرسته نتيجة البرد بقوله: "من فترة 10 أيام أصبح البرد القارس يزعجنا طيلة الدوام. وكان هناك وعودٌ من المدير بأن المدرسة ستؤمّن مدافئ ووقوداً للطلبة، ولكن حتى الآن لم يتحقق شيءٌ من هذا".
وعن القدرة على تحمّل البرد يقول باسم: "طيلة الدرس تسمع صوت فرك أيادي الطلبة ببعضها لقهر البرد، الأمر الذي يجعل متابعتنا للدرس مشوّشة. البرد قاسٍ هذا العام". ويضيف هذا الطفل شيئاً مؤلماً للغاية بقوله: "أكثر من يعانون هم طلاب الصف الأول والثاني، فقد تكرّر مشهد بكاء الكثير منهم أمامنا من شدّة البرد".

 

محاولاتٌ متعثرة

محمـــود العبـــد الله مـــدرّس في إحدى مدارس موحسن في ريف دير الزور الشرقي. تحدّث عن احتياج مدرسته إلى اثني عشر مدفأة مازوت، وكيف أن أياً من الجهات الإغاثية المعنيّة في منطقتهم لم تؤمّن هذا الاحتياج، مما اضطرّهم إلى جمع هذه المدافئ من الأهالي، فلم يستطيعوا الحصول سوى على سبع مدافئ. عدا عن أن مشكلة الوقود لم تحلّ بعد، علماً أن كلّ صفٍّ يحتاج إلى أربعة ليترات مازوت للتدفئة وسطياً، وهناك حوالي 250 غرفة صفية في مدينة موحسن، الأمر الذي يعني وقوع طلابنا أمام معاناةٍ حقيقيةٍ طيلة فترة الشتاء القارس.

 

تفاقم أمراض الشتاء نتيجة البرد

حول هذا التفصيل حدثنا طبيب الاطفال رامي العبد بقوله: تسبّب غياب وسائل التدفئة عن المدارس في تزايد، بل تضاعف، الإصابة بأمراض الشتاء. حتى أن بعض الحالات المرضية التي تأتي إلينا تكون في وضعٍ إسعافيّ، والطفل المريض في حالة وهنٍ وإرهـــاقٍ شديدين. كما أن هناك حالاتٌ يرافقها ســعالٌ شديدٌ مستعصٍ على أغلب أنواع أدوية السعال الموجودة في الأسواق المحلية. وما يفاقم هذه المعاناة هو عدم توفر لباس الشتاء المناسب لأغلب الطلاب الوافدين، بسبب غلاء اللباس والفقر الشديد الذي يعانيه الناس نتيجة للظروف القاهرة التي يعيشونها. فضلاً عن الغلاء الشديد الذي شمل قطاع الأدوية، الأمر الذي يجعل الفاتورة الدوائية لأي طفلٍ مريضٍ تتراوح بين خمسمئة وألف ليرة سورية، وقد تتجاوز ذلك في بعض حالات التهاب اللوزتين.
مدينـــةٌ يســــيل فيهـــــا النظــــــار
(والتعبير للشاعر عمر أبو ريشة)، وطلابها لا يجدون ما يقيهم لسعات البرد وآلامه في مدارسهم. مدينةٌ كانت لا تجني من النفط فيها سوى التلوث، ولا زالت كذلك. ولعلّ الأيام القادمة، إن لم تحمل لها شيئاً من خير أرضها، أن تقي أهلها مما هم في من أذىً وصعوبةٍ في العيش.