- Home
- مقالات
- صياد المدينة
المفتي عبد القادر الراويحين يعيش التكسب كأسلوب حياة
كما كان يتجول بين قرى الخط الغربي لدير الزور، في أيامه الخوالي كـ«سيد»، لاستجداء بعض الغلال من الفلاحين؛ يتجول المفتي عبد القادر الراوي اليوم أمام الأفرع الأمنية وأبواب المحاكم في دمشق طمعاً بزوجة لسنواته التي تجاوزت السبعين.
غير أنه، في كلتا الحالتين، لم يكن ليغامر بالإقدام على فعلته لولا المزايا التي يتمتع بها، بوقاحته المعروفة ولسانه السليط، اللذين كلفاه منصبه كمدير للأوقاف لسنة واحدة، بالإضافة إلى قيادة موسم الحج. فاعتماداً على اسم عائلته، الذي ارتبط في الذاكرة الشعبية بالتدين والانتساب لآل البيت، كان الشيخ يحصل، من مريدين وبسطاء ومنتظري خدمات، على حصة بعد كل حصاد، تشبه في النتيجة الخمس، مقابل دعوات رنانة. واعتماداً على منصبه وعلاقاته بالمسؤولين يعرض، مقابل التوسط لهن، الزواج الآن على نساء يبحثن أمام دوائر النظام عن واسطة للإفراج عن قريب معتقل. وفي هذه الحالات يفرد المفتي بضاعة مختلفة عن نسبه ولحيته ودعواته، كشهادتيه الجامعيتين في الأدب العربي من دمشق والشريعة من لبنان، أو بيتيه في دير الزور والشام، وصحته الممتازة وضغطه الطبيعي عند 8/12!
من الصعب، في حالة مفتٍ لمحافظة طرفية كدير الزور، تبين الدور الذي كان يلعبه الراوي قبل الثورة بالنيابة عن أحد المسؤولين الكبار في النيل والاستهزاء من الشيعة علناً، إلى حد وصل معه إلى القول في خطبة جمعة «أبول بالحوزة»؛ لكن المؤكد أن شأنه المتنامي، آنذاك، على صلة بلقائه ببشار الأسد أثناء زيارة الأخير للمدينة، ثم باستعمال مزاياه مرة أخرى في قصائده التي يلقيها هنا وهناك، كقصيدة رثاء العميد محمد سليمان.
على أن مواهبه الشعرية ليست حكراً على المتنفذين، ففي بعض الأحيان يتعطف بها على شعراء اتحاد الكتاب العرب حين يحضر أماسيهم ويتحفهم بالمخزون الشعري الذي يملكه، خاصة لشاعره المفضل نزار قباني، ويلقنهم تأصيلاً دينياً لحب الشعر يعود إلى العصور الأولى حين كان الأئمة يتسابقون على حفظ الشعر والاختلاط بالشعراء، ليحجز بذلك في النهاية اعترافاً من شعراء اتحاد الكتاب بموهبته، ومكاناً إلى جانبهم كشاعر فذ.
وليس بعيداً عن هذا الجو ينشط الشيخ في المناسبات الاجتماعية كأحد أشهر من يسمون «أهل الجفنات» في دير الزور، وهم الشيوخ الذين يأتون دون دعوة في أي مناسبة يتوقعون فيها تقديم الولائم. لكنه، رغم كل هذا، حاز على شعبية لدى قسم من الأهالي كادت، منذ عشر سنوات، أن تجلسه في أوج شهرته على مقعد في مجلس الشعب. إذ تنوس علاقته مع المحيطين به بين الولاء له والانتفاع منه واتقاء شره والتندر بأخبار ملاسناته المقذعة، دون أن ينسوا صراعه مع رجال عائلته بسبب الخلافات حول وراثة المشيخة واقتسام مريدي التكية!