- Home
- مقالات
- رادار المدينة
الأطفال المتسربون في مدارس عفرين.. لا حل حتى العام القادم
الخاسر الأكبر هم الأطفال، كما تجري العادة في كل الثورات والحروب، فأمام كل الضغوط المعيشية تدفع نسبة لا بأس بها من الأُسر في الشمال السوري -المهجرة خاصة- إلى الزج بأبنائها من الصغار في سوق العمل بحثاً عن عيش كريم، فتحول بذلك نسبة كبيرة منهم إلى "رجال" قبل الأوان.
تسرب الأطفال من المدرسة بات أكثر الظواهر انتشاراً، ويشير تقرير للأمم المتحدة صدر في آذار، إلى أن أكثر مليوني طفل غير مسجلين في المدارس في سوريا ودول الجوار من أصل 8 مليون طفل سوري. في عفرين لا يوجد إحصائية رسمية لهم، لكن النسبة التقديرية للمتسربين بلغت في بعض المدارس 10% للطلاب المسجلين فقط، وبحسب إدارة إحدى مدارس عفرين تتعدد أسباب تسرب الأطفال، وعلى رأس تلك الأسباب هي الدخول إلى سوق العمل، ثم يتبعها التهجير المتتابع لهؤلاء الأطفال وعائلاتهم مما ترك فجوة في المعلومة العلمية تمنعهم من الاستمرار في الدراسة، والأخطر هو زجهم في الأعمال المسلحة بحثاً عن الدخل المادي.
تتفاقم المشكلات المترابطة التي تعاني منها الأسر في المناطق المحررة، وتتنوع تبعاً للمكان بين معيشية واجتماعية وأمنية ونفسية. فتعاني الأسرة من تردي الأوضاع المعيشية مع موجات الغلاء المستمرة والمتتابعة مع انعدام شبه كلي لفرص العمل، الأمر الذي فاق طاقة الغالبية العظمى وانعكس بشكل رئيسي على الأطفال في مختلف أعمارهم، مما يعرض جيلاً كاملاً لمزيد من الضياع في المستقبل المنظور والبعيد، ويودي بالأسرة السورية في غياهب المجهول. محمد ناشط من جسر الشغور يقول: "بات اليوم تكلفة أقل وجبة طعام بدون أي نوع من اللحوم لعائلة صغيرة تتجاوز الألفين ليرة، أصبح اعتماد الناس بشكل كبير على الأعشاب بمختلف أنواعها رغم أنها لم تسلم من ارتفاع الأسعار".
ونظراً لرخص أجور الأطفال أصبحوا الأكثر تواجداً في مختلف الأعمال خاصة منها الحرفية واليدوية، فهم أكثر ما يتواجدون في محلات صيانة السيارات والدراجات النارية ومحلات تصنيع الحلوى ومحلات الحلاقة، بحثاً عن ما يسمى "مصلحة" تضمن لهم القليل من مستقبلهم في ظل ضياع مستقبلهم الدراسي، ولم تكن الأجور الضعيفة التي لا تتجاوز في أحسن حالاتها 20 ألفاً شهرياً آخر مشاكلهم في سوق العمل، بل وصلت الأمور إلى الاضطهاد والتنمر والضرب من قبل صاحب العمل أو زملاء العمل الأكبر سناً.
مصطفى عامل ورشة صيانة دراجات يبلغ من العمر اثنتي عشرة سنة، يتعرض للضرب عشرات المرات يومياً من قبل صاحب الورشة أمام كل الزبائن. مصطفى مهجر من ريف دمشق ترك دراسته منذ ثلاثة سنوات أثناء الحصار مع غياب والده في غياهب الاعتقال منذ خمس سنوات، يقول: "لدي أخوة أصغر مني سناً، أضطر للاستمرار في العمل رغم ما أتعرض له من ضرب يومي وشتم على أقل التصرفات حتى لو لم أكن مخطئاً، أنا بحاجة للعمل".
يسكن مصطفى مع والدته وأخوته في شقة غير جاهزة للسكن، وليس لهم أي مدخول مادي يعتمدون عليه سوى راتبه الذي لا يتجاوز 15 ألف ليرة شهرياً، بالإضافة لبعض المعونات المقدمة من المنظمات أحياناً، يقول "كل أصدقائي في المنطقة الذين يعملون في نفس الأعمال يتعرضون للضرب، وغالباً ما يعرف أهالينا بهذا، لكن دائماً ما يقولون (معلش يا ابني تحمل مشان تتعلم المصلحة وما يضيع مستقبلك هيك بدون الدراسة)".
يعايش علي نفس ظروف مصطفى. علي مهجر من ريف حماة ويعمل في ورشة صيانة سيارات، يبلغ من العمر 15 عاماً يقول عن تجربته مع الدراسة: "في بداية العام الدراسي ذهبت للمدرسة كبقية أصدقائي، ونظراً لانقطاعي عن الدراسة عدة أعوام وضعت في الصف السابع، لم أتلقى التعليم منذ ثلاث سنوات، أصبحت ضعيفاً جداً في دراستي، وحاولت جاهداً أن أرفع مستوى تحصيلي الدراسي لكن لم أستطع ذلك مع انعدام من يساعدني في المنزل، والدي غالباً ما يكون مشغول في العمل ولا أكاد أراه إلا دقائق مساء".
الأمور أفضل حالاً مع محمد وأحمد، وهم أخوة في الصف الثامن والتاسع من أسرة من حرستا مكونة من ثمانية أفراد، يقول الأخ الأكبر للعائلة (محمد): "والدي يعمل في بيع المحروقات ويحتاج للمساعدة، نتناوب أنا وأحمد في مساعدته بالعمل بعد المدرسة، من لديه دراسة ومذاكرة أقل يكون أول من يذهب إلى البسطة، العمل لم يمنعنا من الدراسة فمستوانا الدراسي جيد، وأخي أحمد من المتفوقين على مستوى المدرسة، كثيراً ما أحضر كتبي معي لحفظ دروسي، فقد اقتربت امتحانات الشهادة الإعدادية".
على رغم المحاولات العديدة لترغيب الأطفال في الالتزام بالمدارس التي تنوعت طرقها، وعلى رأسها قيام بعض المدرسين بجهود شخصية بإنشاء مجموعات لأولياء أمور الطلاب على بعض برامج التواصل لضمان استمرارية التواصل بين المدرسين وأولياء الأمور، أو محاولة تعويض النقص في المعلومة العملية من خلال إنشاء صفوف خاصة للأطفال الضعيفين دراسياً لرفع مستواهم وإلحاقهم بالصفوف المناسبة لأعمارهم، لكن تلك المحاولات لم تثمر أي نتيجة، إذ يبقى العائق الأكبر عدم تعاون الأهالي مع المدرسة في هذا الشأن، أو عدم تعاون أوضاعهم المعيشية معها