- Home
- مقالات
- رادار المدينة
آثار المنطقة الجنوبية... بيع وتهريب من دون ضوابط
خلال الآونة الأخيرة انتشرت في المنطقة الجنوبية أعمال البحث عن اللقى الأثرية، وغصت العديد من المواقع التاريخية بأعداد مما بات يعرف بـ«الحفّيرة»، وهم مجموعة من الأشخاص الذين يعملون في الحفر سوياً كشركاء في ما يتم استخراجه وبيعه، وكذلك في دفع ما ينفق على العملية.
السيد محمد أبو منذر، وهو أحد العاملين الآن في مجال البحث عن اللقى الأثرية، قال لمجلة «عين المدينة» إنه، وبعد تحرير بلدته من قبضة قوات النظام، لم تعد هناك رقابة على الحفريات كما كان الحال عندما كانت مفارز النظام الأمنية تطوق الموقع في حال عثور الأهالي على مواد أثرية، فيسرق الضباط القسم الأكبر منها وما تبقى يسجل في ضبوط رسمية. أما الآن فبات الحفر عملاً رائجاً يقوم به غالباً أناس من الطبقة الفقيرة على أمل تأمين لقمة العيش أو حتى الوصول إلى ما هو أبعد من ذلك من ثراء.
يقول السيد أبو منذر إن تاريخ المنطقة الجنوبية متدرج بين عهود حضارية متعاقبة، فهناك حفريات على أعماق مختلفة تخصّ العهد اليهودي والعهد البيزنطي وكذلك العهد التركي وغيرها من العهود التي تتالت في المنطقة وخلفت الكثير من الكنوز والدفائن. وفي غالب الأحيان يتم الحفر وفقاً لتقاطع مجموعة من الدلائل التي تزخر بها الأحجار، كإشارات العقرب والأفعى ودعسة الفرس وقدم الإنسان والصليب والهلال، وكذلك الأجران بأنواعها والأثلام وغيرها. وبالإضافة إلى هذه الدلائل بدأ استخدام الأجهزة الإلكترونية ينتشر بشكل واسع مؤخراً. وتعتمد بعض الأجهزة على مبادئ الفيزياء في كشف المعادن، وكذلك الفجوات والتجاويف في باطن الأرض على أعماق محددة، ما يجعل البحث عن المغر المحتملة واللقى المعدنية كالذهب والفضة أكثر سهولة.
يضيف السيد أبو منذر أن الحفر يبدأ بناء على إشارة محددة توجد في الأرض يكون قد عثر عليها شخص أو مجموعة أشخاص، يعملون على تفسيرها بناء على خبرة عاملين سابقين في الحفر أو بالاستعانة بما يتوافر على مواقع الإنترنت. وقد يتم الحفر في أحد المواقع المكتشفة صدفة خلال عمليات البناء أو تمديد شبكة الصرف الصحي وغيرها. ويتم الحفر إما يدوياً أو باستخدام معدات ثقيلة كالتركس وسيارات نقل بحسب الوضع المادي للمشاركين في العملية وبحسب طبيعة الأرض ووضع المنطقة. وقد تستعين المجموعة بصاحب أحد أجهزة الكشف ليدخل شريكاً في العملية أو يأخذ أجرته فقط بغض النظر عما يتم استخراجه لأن احتمال الخسارة وارد. وتستمر مدة الحفر أشهراً مستمرة أحياناً بغية الوصول إلى الهدف.
السيد حسين، وهو أحد تجار الآثار في المنطقة، قال لـ«عين المدينة»: «أتجول بشكل دائم على مواقع الحفر لأشتري اللقى التي يتم العثور عليها سواء أكانت قطعاً نقدية أم آثاراً أو أي قطع أخرى ذات قيمة أثرية يثبت استخراجها من الموقع وتنتفي عنها صفة التزوير. ثم تباع تلك القطع إلى تجار آخرين يقومون بتهريبها لقاء مبالغ يمكن أن تصل إلى آلاف الدولارات من خلال منافذ غير شرعية إلى البلدان المجاورة ومنها إلى دول أخرى أو حتى إلى متاحف كبرى».
من جهته قال السيد محمد أبو عدي، وهو عضو أحد المجالس المحلية: «إن بيع الآثار وتهريبها أصبح شائعاً في المنطقة الجنوبية. قد لا يدرك البعض مخاطر ذلك على تاريخ المنطقة الغني، وقد يرى آخرون في حالتهم المادية السيئة حجة لممارسة هذه الأعمال، لكنها تبقى أعمالاً غير شرعية ويجب تنبيه المجتمع إلى مخاطرها من خلال مناشير توعوية أو جلسات عامة تشرح القيمة الهامة لهذه اللقى».
ويرى السيد أبو عدي أن هناك تقصيراً واضحاً في مجال المحافظة على الآثار من قبل هيئات المعارضة، وتحديداً المجالس المحلية، لكنه يرى أن ذلك يعود بشكل أساسي إلى عدم وجود جهاز أمني موحد وذي انتشار واسع في المناطق المحررة من المنطقة الجنوبية يساعد المجالس المحلية في حماية المواقع الأثرية ومعاقبة المعتدين عليها. ويؤكد أن العشوائية المستمرة في الحفر ستؤدي إلى خسائر كبيرة، سواء من ناحية فقدان قطع ذات قيمة أثرية عالية أم من ناحية تردد السياح على المنطقة مستقبلاً بعد استقرار الوضع الأمني للبلاد.