هموم مولدات الكهرباء في ليل دير الزور

في مدينة دير الزور- خاص

مع الأيام تحول صوت المولدات إلى خلفية للحياة في مدينة دير الزور، يفرضها نظام التقنين الذي فرضه نظام الأسد على المحافظة، والاعتماد المتكاثر على المولدات الفردية الرديئة، في ظل الارتفاع الكبير في الأسعار والظروف الاقتصادية القاسية التي يعانيها غالبية السكان من جهة، ومنع المولدات التجارية جهة أخرى.

تغيب الكهرباء عن دير الزور طوال اليوم باستثناء 3 ساعات فقط، ويعتمد الكثير من السكان في المدينة على بطاريات تخزين الكهرباء في الإنارة وقضاء بعض الحاجيات البسيطة عبرها، بينما يعتمد على المولدات ميسورو الحال وعناصر النظام وأصحاب المحال التجارية التي تعتمد في الغالب على البيع واستقبال الزبائن ليلاً، ولاسيّما المقاهي ومحلات الألبسة والمكتبات.

"ماتسمع خيّك شيحاجيك" هذه الجملة التي افتتحت بها "أم محمد" حديثها لـ"عين المدينة" عن وصف الحال عندما تمشي في أسواق دير الزور ليلاً، موضحة أن هذه الفترة التي تسبق العيد كانت شوارع دير الزور فيها تغص بآلاف الناس الذين يتحضّرون ويشترون الملابس والحلويات و"حوايج الكليجة"، بينما الآن تمشي وتجد أصحاب الحال الميسورة ونساء وأبناء وبنات عناصر وضباط النظام ومليشياته، يشترون الجديد، بينما تتوجه عوائل المدنيين إلى محال "البالة – الألبسة المستعملة" باحثين عمّا يرسم بسمة ناقصة على وجوه أطفالهم في العيد.

أضافت أم محمد أن دخان المولدات التي تستخدم البنزين المهرّب من مناطق سيطرة "قسد" يخنق الأجواء في أسواق دير الزور، ويقلق راحة المارة والسكان في شارع الوادي وشارع سينما فؤاد، ويجعل النوم أو الراحة شيئاً مستحيلاً، إذ أن هذه المولدات تبقى تعمل حتى ساعات متأخرة من الليل في موسم العيد.

أما "أبو سعيد" وهو صاحب أحد المحلات في شارع سينما فؤاد فقد رأى في حديثه لـ"عين المدينة" أن المولدات حلّت مشكلة الكهرباء، ولولاها "ما استطعنا أن نفتح محلاتنا ليلاً"، مضيفاً أنها تشكل عبئاً آخر على أصحاب المحلات بمصروفها من البنزين والتصليح، ما يجعل أصحاب المحلات يضيفون ما يترتب عليهم من زيادة في المصاريف على أسعار البضائع المرتفعة أصلاً، بسبب ما يفرض عليها من إتاوات من الحواجز على طريق دمشق وحلب باتجاه دير الزور، ولاسيما حاجز البانوراما في مدخل مدينة دير الزور الجنوبي.

"أم خالد" امرأة ستينية قالت لـ"عين المدينة" أن البيت الذي فيه مولدة يكون مقصد كثير من الجيران لشحن جوالاتهم أو من أجل طلب "قالب بوز"، ويتحمل الجيران أصوات المولدات حياءً لما يقدمه أصحابها من خدمة للجيران، أو خوفاً إذا كان صاحب المولدة من عناصر النظام ومليشياته.

وعن أسعار المولدات أوضح أبو سعيد أن المولدة المنزلية "3500 شمعة" وهي الدارج استخدامها بدير الزور، يتراوح بين 300 و400 ألف ليرة سورية، وتستخدم البنزين وقوداً لتشغيلها، أما مولدة "كيبور" أو "الخرساء" كما يطلق عليها أبناء المدينة، فقلة يستطيعون شراءها لارتفاع سعرها الذي يصل إلى مليوني ليرة سورية.

وأضاف أن سعر مولدة "البيتر" يتراوح بين 4 و5 ملايين ليرة، ولاتستخدم هذه المولدة إلا في إنارة وتوليد الطاقة في المساجد، وغالباً ما يشتريها المحسنون من خلال جمع التبرعات منهم بعد صلوات الجمعة، ويخصص الجمع الأسبوعي لشراء الوقود الخاص بها وصيانتها.

استطرد أبو خالد بالقول أن قطع الغيار قليلة أو حتى نادرة، ومشكلة المولدات ليست بشرائها، بقدر ما يعتبر البنزين هو مشكلتها الرئيسية بالنسبة إلى المدنيين. "يدل امتلاكها وتشغيلها لدى شخص على ثرائه الفاحش، لأننا بعملية حسابية بسيطة نجد أنه عدا سعر المولدة، يترتب على مالك المولدة أن يشتري لتر البنزين بـ 3500 ليرة، والمولدة الصغيرة تستهلك لتراً كل ساعة، وبهذا يكون تشغيلها 4 ساعات في اليوم يكلف أكثر من 15 ألف ليرة سورية" وفق أبو خالد.

صاحب أحد محلات بيع الألبسة قال عن المولدات الجماعية أو ما يسمى ب"الأمبيرات"، أن النظام لا يسمح بها في مناطق سيطرته، "مع أنها لو وجدت تحل مشاكل كثير من المتضررين من التقنين"، وأضاف أنه في مدينة دير الزور لا يوجد سوى مولدة كبيرة واحدة توزع إنارتها على عدة محلات "فخمة" اشترك أصحابها في ثمنها وثمن وقودها وصيانتها، أما المحلات الباقية فتستخدم المولدات الصغيرة، ويحمّلون تكلفتها على أسعار المواد التي يبيعونها. وتابع: "عندما تذهب إلى مكتبة لطباعة ورقة فإن صاحب المكتبة يأخذ منك تكلفة طباعتها خمسين ليرة، بينما يأخذ منك 200 ليرة في حال كانت الطباعة على كهرباء المولدة".

أما منافذ بيع البنزين فهي عشوائية، وتتوزع في شوارع المدينة ولاسيما في حيي الجورة والقصور على شكل "بسطات"، ومصدرها أصحاب السيارات الذين تفيض عندهم كمية البنزين المدعوم وسعره 1100 ليرة، بينما يبيعونها لأصحاب البسطات بسعر 3000 ليرة، ليقوم الباعة بدورهم بتوزيعها للمواطن بسعر 3500 ليرة، وغالباً يكون أصحاب البسطات من الطبقة المعدمة اقتصادياً أو من المدعومين من قوات النظام.

وبعيداً عن هموم المدنيين، يواصل المتنفذون في الميليشيات وأجهزة الأمن والجيش الاستفادة من معاناة سكان دير الزور من خلال جني الأموال من البنزين المهرب، والذي يدخل إلى المنطقة عن طريق حواجز النظام ومليشياته، ويوزع عبر المتعاملين مع النظام ويباع في شوارع الدير. أما المولدات فتفرض على من يبيعها إتاوات عند شحنها من اللاذقية وطرطوس مروراً بدمشق وصولاً إلى دير الزور، ليتضاعف سعرها المرتفع أساساً نتيجة انهيار سعر صرف الليرة السورية مقابل الدولار.