هل جمع تجمع خالد بن الوليد المال في سرمين للبغدادي؟

بعد مقتل البغدادي في قرية باريشا قرب الحدود مع تركيا في محافظة إدلب في أواخر تشرين الأول الماضي، بات بالإمكان تفسير بعض الأحداث التي وقعت في هذه المحافظة خلال الأشهر القليلة الماضية بشكل مختلف، بعد ربطها بوجود زعيم داعش في المنطقة نفسها. ومن بين هذه الأحداث التوتر الذي ساد مدينة سرمين شرقي إدلب خلال الأشهر القليلة الماضية التي سبقت قيام كوماندوس أميركي بقتل البغدادي، بعد قيام خلايا تابعة لداعش بفرض الزكاة على أهاليها.

"هيئة تحرير الشام" صاحبة النفوذ العسكري الأول في محافظة إدلب، فضلت الصمت ولم تعلق على قتل البغدادي. وقد اعتبر بعض المراقبين في المنطقة أن تمكن كوماندوس أميركي من العثور على البغدادي قرب الحدود مع تركيا في مناطق نفوذ الهيئة قبلها وقتله، يعتبر فشلاً أمنياً لها، خاصة أنها كانت تعادي البغدادي بقوة ويطلق عليه شرعيوها لقب "زعيم الخوارج". لكن بعض وسائل الإعلام تناقلت تصريحات لجهات مناوئة لهيئة تحرير الشام، ذهبت إلى حد الكلام عن ضلوع الهيئة بقتل البغدادي، وأنها كانت "تمتلك معلومات أمنية هامة حول وجوده" في المنطقة قبل عدة أشهر من قتله.

منذ أواخر العام 2018 قامت الهيئة بعدة مداهمات في سرمين. وبينما كانت أهداف بعض حملاتها واضحة عندما كان مقاتلوها يمشطون بيوت المدينة بيتاً تلو الآخر، اكتنف الغموض حملات أخرى كانت الهيئة تدخل المدينة خلالها بشكل متسارع، ثم لا تلبث وتغادر دون اعتقالات لأحد. وهذا ما جعل البعض يعتقد بامتلاك الهيئة معلومات حول وجود البغدادي في المدينة، وهو أمر غير مثبت وإن كان قابلاً للحدوث نتيجة ولاء عدد من سكان المدينة لتنظيم الدولة وزعيمه البغدادي.

ولفهم هذه التطورات التي تسارعت وسبقت قتل البغدادي، لا بد من العودة إلى الوراء والكلام عن تنظيم جند الأقصى الناشط في الريف الشرقي لمحافظة إدلب (سرمين، النيرب، مصيبين) الذي كان قريباً من داعش ثم تفتت وتوزعت ولاءات فصائله على تنظيمات عدة.

معروف عن جند الأقصى أنه تجنب الدخول في البداية في القتال الذي دار خلال العام 2014 بين جبهة النصرة وتنظيم "الدولة الإسلامية في الشام والعراق". لكن جند الأقصى سرعان ما مال نحو داعش واتهم بالتنسيق مع التنظيم الأخير في العملية الواسعة في ريف حماه خريف العام 2016 التي كانت تهدف إلى فتح ممر نحو منطقة إدلب يربطها بمناطق السيطرة الواسعة التي كان يديرها البغدادي في شرق سوريا خاصة. جوبهت هذه الخطوة بضغط من قبل فصائل مناوئة لتنظيم الدولة مثل "أحرار الشام" التي شنت عقبها حملة عنيفة للغاية على سرمين استخدمت خلالها المدفعية والأسلحة الثقيلة.

في شتاء العام 2017 وبعد فشل معركة ريف حماه، عمد تنظيم جند الأقصى إلى حل نفسه وانقسم مقاتلوه إلى ثلاثة أقسام: الأول التحق بهيئة تحرير الشام، والثاني انتسب إلى الحزب التركستاني الذي تأسس في العام 1993 في مدينة "كاشغر" عاصمة إقليم تركستان بالصين وبدأ أفراده بالتسلل نحو شمالي سوريا منذ العام 2013 وكان أول إعلان رسمي له في أيلول 2015، بينما فضلت العناصر الأكثر ولاء لمشروع البغدادي الانتقال إلى مدينة الرقة التي كانت تعتبر "عاصمة الخلافة".

ولم تمض سنة على هذه التطورات حتى بدأ انحسار نفوذ داعش، وهو ما دفع العشرات من عناصره مع ما تبقى من عناصر جند الأقصى إلى التسلل باتجاه منطقة إدلب. وينقل مصدر متابع لتلك المرحلة في المنطقة أن المسؤول "الشرعي" السابق لجند الأقصى (أبو عبد الوكيل) كان من بين هؤلاء، لكنه قتل باشتباك في بلدة النيرب برصاص مقاتلي هيئة تحرير الشام.

كانت سرمين والنيرب في تلك الفترة، أي في النصف الثاني من العام 2017، الحاضنة لهذه المجموعات التي بدأت ببث الفوضى عبر زرع العبوات الناسفة واغتيال الأشخاص خصوصاً التابعين للهيئة، من دون أن يسلم المدنيون من هذه الجرائم.

في بداية العام 2018 التأمت المجموعات التي كانت قد انضمت لتحرير الشام وللحزب التركستاني تحت تشكيل جديد ليعلن عن "أنصار التوحيد" بقيادة أبو دياب السرميني. لكن عدداً من العناصر لاسيما القادمين من الرقة بعد الانهيارات الكبيرة التي مني بها التنظيم هناك، فضلوا القيام بعمليات هامة يبدو أنها كانت جزءاً من مخطط البغدادي لإعادة بث الروح في تنظيمه المنهار، كانت الفكرة هي العمل في إدلب بعيداً عن ملاحقات "قوات سوريا الديمقراطية" والمخابرات العراقية.

وفي الفترة الواقعة بين بداية شتاء 2019 وحتى منتصف الصيف الماضي، عاش سكان سرمين حالة رعب فعلية تحت رحمة مسلحي هذا التنظيم الذين تمركزوا فيها وفي مناطق قريبة مثل مصيبين بشكل سري. ومن سرمين أعلنت ولادة "تجمع سرايا خالد بن الوليد" الموالي لتنظيم الدولة، وقد نشط هذا التنظيم الجديد بشكل واسع في مجال جمع المال من المدنيين، ما زاد الشكوك بعد مقتل البغدادي بأنها كانت ترسل له لتمويل تحركاته ونشاطاته.

عانت سرمين كثيراً من التطورات العسكرية التي طاولتها خاصة خلال قيام هيئة تحرير الشام بمحاولات عدة لاقتحام المدينة، ما أدى إلى سقوط الكثير من سكانها بين قتلى وجرحى إضافة إلى الأضرار المادية. يقول أحد سكان سرمين لعين المدينة "عدد عناصر تجمع خالد بن الوليد قد لا يتجاوز ال 20 عنصراً، لكنهم يمارسون القتل والنهب والاختطاف بحجة إقامة الشريعة أو دعم المقاتلين الذين يحاولون الحكم بما أنزل الله".

ويضيف أنه إضافة إلى الوضع الأمني المتردي في المدينة خاصة بسبب المواجهات مع مسلحي هيئة تحرير الشام، شن مسلحو تجمع سرايا خالد بن الوليد حملة على تجار المدينة لابتزازهم وانتزاع أكبر قدر ممكن من الأموال منهم. والآلية بسيطة حسب المواطن من سرمين: "يتصل أحد أفراد التجمع عبر الواتساب بالتاجر المستهدف، ويقول له على سبيل المثال: أنشأنا بيت مال المسلمين، وقد قرر الشرعي أبو عبد الله أن عليك دفع زكاة تقدر ب 4000 دولار". ويختلف المبلغ حسب غنى التاجر، ومن يمتنع عن الدفع يكون عرضة للاستهداف الذي يتنوع بين الطرد خارج المدينة، أو إطلاق الرصاص على متجره أو على منزله، وأحياناً خطف أحد أطفاله أو القتل. 
أحد التجار قال أنه دفع مبلغ 2500 دولار، بينما قال آخرون أنهم دفعوا مبالغ تتراوح بين 3000 وحتى 12000 دولار، لكن أحداً لم يفصح عن مكان تسليم الأموال أو طريقة التسليم خوفاً من ردات فعل انتقامية.