موحسن تحت النار

عدسة سليمان | خاص عين المدينة

في كل متر مربع من أرض موحسن علامة أن الثورة مرت من هنا، وفي كل عشر ساعات تمر هناك عشر أحوال تتعلق كلها بالثورة. ولا يبدو أن هذه الثورة تغادر أنفس أبناء موحسن ليلاً أو نهاراً، ولم يعد مجتمع موحسن المحلي مجتمعاً حاضناً للثورة فحسب، بل أصبح متفرغاً لها وحدها، وغير متزحزح عنها، رغم كل ما لحق به من أضرار.

إنها موحسن الصمود، ذلك المكان الذي يجمع بين القرية والبلدة والمدينة، وذلك الإنسان الذي يجمع بين الثائر والمقاتل والمثقف في شخص واحد. قبل أكثر من عام افتتحت مقبرة الشهداء في يوم مشهود من أيام موحسن، حين استقبلت المدينة 15 مقاتلاً من أبنائها في توابيت، سقطوا جميعاً في ملحمة الرصافة كما يحب أهل موحسن أن يسموا تلك الحادثة الشهيرة، حين حوصر المقاتلون في حي الرصافة بدير الزور وقاتلوا ببسالة حتى الموت. ومنذ ذلك اليوم كثرت القبور هناك، وكثرت قصص البطولة والتحدي والموت. وأمام عدسة أي مصور هناك، مشاهد مميزة لا تنتهي، من أسقف البيوت المهدمة، إلى الجدران، إلى الوجوه التي تنطق وبدون كلام أنها "تعبت لكنها لن تهزم" كما يجيب أي شخص من أهل موحسن على سؤال بـ "هل تعبتم أيها الثوار".

 

للثورة قصة وتاريخ

طابع الثورة السورية عن موحســن

طابع الثورة السورية عن موحســن

يفتخر أبناء موحسن أنهم وأبناء عمومتهم من عشيرة البوخابور في قريتي البوعمر والمريعية، قاموا بأكبر عملية ثورية ضد الفرنسيين في القرن الماضي، حين هاجموا المطار وأحرقوا الطائرات الحربية الفرنسية وهي على أرضه. ومنذ ذلك اليوم ارتفع الطموح الثوري في المخيلة الشعبية لأبناء موحسن وهم المعروفون بارتفاع مستوى التعليم العالي بينهم وتفاعلهم المبكر مع مختلف التيارات السياسية والفكرية التي مرت بالبلاد.
ومن عجائب القدر أن يسقط أبو علاوي، وهو واحد من مقاتلي موحسن المشهورين، أول طائرة حربية في تاريخ الثورة السورية. وفي قبول يشبه التسليم بالقدر لا يسأل أبناء موحسن لماذا  يستخدم بشار الأسد كل صنوف الاسلحة في محاربتهم، فهم يدركون أن مطار دير الزور الحربي  لن يتحرر بدونهم، وهم مستعدون مع غيرهم من أبناء المحافظة كما يبدو لدفع ضريبة الحرية وهي ضريبة كلفت دماراً كاملاً في قرية المريعية المجاورة للمطار، ونزوح كلّي لأهلها، كما هو الحال تقريباً في كل من البوعمر وموحسن.

 

أبو صهيب

ينهض أبو صهيب، وهو رجل تجاوز الستين من العمر، يومياً وقبل طلوع الشمس، ليحمل بندقيته ويذهب مع سيارات الجيش الحر المتوجهة إلى خطوط التماس في محيط مطار دير الزور العسكري، ويتسلل مع المقاتلين الشبان الى الخنادق الامامية، ليطلق النار على أعدائه مرات، ويزحف في مرات أخرى ليكون في موقع إطلاق أفضل.
لا ينتمي أبو صهيب إلى أي كتيبة من كتائب الجيش الحر أو أي تشكيل من تشكيلاته، فهو يذهب هكذا وكما يعلق المعجبون به "بدافع النخوة والشهامة"،
ولا يبالي بأي مظاهر أو تسميات ولا يبالي أيضاً بالأخطار، فقد أصيب مرتين، كادت الإصابة في المرة الثانية أن تودي بحياته أثناء غارة شنتها طائرة حربية على المقاتلين ولم يتمالك أبو صهيب حينها أعصابه، فبرز من خندقه ليطلق النار من بندقيته نحو تلك الطائرة مما جعله هدفاً سهلاً للقناص فجرح أبو صهيب في رقبته، ونجا من الموت بأعجوبة وقبل أن يكمل العلاج عاد مرة أخرى إلى القتال، عمله اليومي الخطر الذي يحب.

 

بين الثورة والتعذيب

موحسن_ديرالزور

اعتُقل عقبة الوكاع مرتين خلال الثورة في سجون المخابرات الجوية، ولم ترهبه صعقات الكهرباء ولسعات الكوابل وغيرها من أدوات التعذيب الوحشية، فها هو اليوم يتابع عمله اليومي في توثيق الانتهاكات التي تمارسها السلطة على أبناء مدينته، ويعمل مع غيره من الناشطين في تجمع شباب الثورة في أرض الفرات، وهم مجموعة من الناشطين المنظّمين التابعين للجان التنسيق المحلية، ينشطون في الإعلام والاغاثة والحراك المدني.
ويتذكر عقبة كيف كان يقيد ويرمى به الى الارض ليثبتوا على صدره مجساً موصولاً بالتيار الكهربائي أفقده الوعي مرات عدة ودفعه إلى الهذيان في أوقات أخرى، ولم تفلح كل هذه الممارسات في الحد من نشاطاته الثورية.
ويؤكد عقبة: 24 ساعة لا تكفيه هو وفريقه لتوثيق ما جرى و يجري من انتهاكات بحق الإنسان في هذه المدينة من قصف الطيران والمدفعية والصواريخ، وكذلك بتدقيق  بيانات الشهداء اللذين بلغ عددهم ما يقارب 183 شهيداً وغيرهم من  المعتقلين والجرحى والنازحين من المدينة  التي تقلص عدد السكان فيها إلى أقل من الربع بكثير.
ويتمنى عقبة ـ كما يقول ـ أن يأتي اليوم الذي يستيقظ فيه ولا يجد جريمة ارتكبتها قوات الأسد يتوجب عليه توثيقها .

 

المجلس المحلي في موحسن

موحسن_ديرالزور

بإجماع من معظم الفعاليات الاجتماعية في موحسن، وتحت وطأة الضرورة والرغبة في سد الفراغ الناجم عن غياب السلطات، وفي ظل سياسة العقاب الجماعي التي مارستها السلطات الأسدية على موحسن، وتحت حمم نيران المدافع وهدير الطائرات، نشأ المجلس المحلي لمدينة موحسن، الذي يعمل في أصعب الظروف وأخطرها على الإطلاق. ويبدو رئيس هذا المجلس علي سالم العلي متفائلاً رغم كل هذه الصعاب، مع إدراكه لكل التفاصيل والعقبات التي تحيط بعمله مع زملائه.
يقول رئيس المجلس المحلي: رغم كل الصعوبات فإن المجلس المحلي في مدينة موحسن يقوم بأعمال كبيرة متحدياً هذا الواقع المر بشتى السبل، إذ نحاول إيجاد الحلول لمشاكل خدمات الكهرباء والماء والهاتف ولقاحات الأطفال والأحوال المدنية والفرن الآلي والزراعة والري والسقاية وذلك بجهود ورشات العمل الاختصاصية التي يرعاها المجلس المحلي في المدينة الذي يبذل كل ما يستطيع. وللأسف لم يحصل المجلس على أي على دعم من هيئات الخارج حتى هذه اللحظة باستثناء منحة صغيرة من الائتلاف الوطني السوري المعارض.
ومن جانب آخر يعلق الدكتور خالد الجاسم من مشفى موحسن الميداني على ظروف الحرب التي تعيشها موحسن من زاويته كطبيب ميداني: غرف الإسعاف في المشفى مليئة بالجرحى والمصابين من مدنيين ومقاتلين، لقد امتلأ البهو أيضاً، وكثير من الحالات حرجة وخطيرة، ظروفنا صعبة جداً، لكننا نعمل مع الزملاء ليل نهار كخلية نحل، صور الإصابات مروعة ولكن ثبات هؤلاء المقاتلين يرفع من معنوياتنا، تجهيزاتنا غير مناسبة أبداً، لكن كادرنا الطبي المحترف والمدرب ينجح مرات كثيرة في تغطية هذا النقص في المعدات، ولن نيأس حتماً ونحن نتعامل مع مقاتلين أصيبوا على جبهة القتال، وصمدوا بالرغم من أن بعضهم لم يأكل منذ يومين.

 

أطفال ثوار

عدسة سليمان | خاص عين المدينة

عدسة سليمان | خاص عين المدينة

تكاد تنعدم مظاهر الحياة العادية في موحسن، فلا شيء فيها سوى الثورة والحرب ولا يجمل مناظر الخراب التي حلت بهذه المدينة الا مرح مقاتلي الجيش الحر وهم عائدون بعد يوم قتال طويل أو اجتماعات الأطفال في ساعات الهدوء القلية ليتفقدوا فسحات منازلهم، أو حيواناتهم الصغيرة التي يلعبون معها، أو يصفقوا بتحية لجيشهم الحر.