موجة الغلاء تدخل معظم السوريين في التقشف الرمضاني القسري

كاريكاتير علاء اللقطة

تؤكد الأرقام أن رمضان الحالي يعتبر الأقسى على كافة السوريين بدفع من التضخم وحدة موجات الغلاء التي طاولت معظم السلع الغذائية وجميع المواد الأساسية، بالموازاة مع تعاطي غير مسبوق مع الغلاء من قبل المواطنين، قوامه المزيد من التقشف وشد الأحزمة ومغادرة معظم الأطباق الرمضانية الشهيرة عن مائدة الإفطار.

لم تعد أم شفيق وهي خمسينية تعيش في دمشق، تحتار في نوعية الطبخات الرمضانية بعد أن كانت الحيرة تتملكها مثل باقي السوريات أمام القائمة الطويلة للأكلات الرمضانية المتنوعة والدسمة. ف"المكونات الرخيصة لن تمنح فرصة كبيرة للتنوع على المائدة.. كل ما في الأمر أن تطبخ إحدانا أكلات تدخل البطاطا والفول والبازلاء والرز ضمن مكوناتها، مع غياب للدسم واللحوم بأنواعها". تؤكد أم شفيق لعين المدينة.

أما نجوى وهي أربعينية تقيم في ريف حلب، فقد نسيت طرق إعداد أكلات عديدة مع طول مدة التقشف. وتقول لعين المدينة إن "الكبب واللحم المشوي والمحاشي لم تكن على مائدة الإفطار هذا العام بخلاف الأعوام الماضية". فيما أمضت أم علي الأربعينية من إدلب العشر الأول من رمضان في "صنع أكلات موفرة قوامها لحم الدجاج أو الخضار الرخيصة".

وتؤطر القصص في الأعلى لما يمكن أن نطلق عليه ب"التقشف الرمضاني القسري"، فقد أجبر لهيب الأسعار معظم السوريين على ممارسة هذا التقشف الذي يسير في خط مستقيم نحو القاع، ليس في دمشق وبقية المحافظات التي تقع تحت سلطة النظام فقط، بل في مناطق المعارضة أيضاً.

ومن مراجعة بسيطة للوائح الأسعار في دمشق ومقارنتها بين آخر موسمين رمضانيين، يظهر أن أسعار السلع قد تضاعفت بنسبة 100% خلال عام واحد فقط، ما يعني أن الأسرة التي كانت تحتاج مثلاً إلى مبلغ 25 ألف ليرة سورية لتحضير طبخة واحدة على الإفطار، باتت بحاجة إلى 50 ألف ليرة لإعداد نفس الوجبة. وعلى سبيل المثال ارتفع سعر كيلو الرز المصري إلى 12 ألف ليرة بينما لم يتخط في رمضان الماضي حاجز ال 5500 ليرة. وكيلو لحم الخروف 70 ألف ليرة (30 ألفاً في رمضان الماضي). ولحم العجل 55 ألف ليرة (25 ألفاً في رمضان الماضي). وزيت الزيتون وصل إلى 40 ألف ليرة (22 ألفاً في رمضان الماضي).

النظام بدوره يعزو تضاعف أسعار السلع إلى سعر الصرف الذي شهد العديد من حالات الارتفاع خلال العام الماضي، في حين لم تلجأ حكومته إلى أي خطوة إيجابية من شأنها تخفيف حدة الغلاء على الصائمين.

وفي مناطق المعارضة يمكن ملاحظة الارتفاع غير المسبوق لأسعار المواد الغذائية وغير الغذائية بنسب متفاوتة. وسجل فريق "منسقو استجابة سوريا" ارتفاعا في أسعار الحبوب بنسبة 32.3%، والزيوت النباتية بنسبة 33%، والألبان بنسبة 24.4%، والسكر بنسبة 33.15%، واللحوم بأنواعها بنسبة 57%، والخضار والفاكهة بنسبة 55%. وتزامن ارتفاع أسعار المواد مع العجز الواضح في عمليات الاستجابة الإنسانية من قبل المنظمات المحلية، وخاصة مع مقارنة شهر رمضان الحالي بالعام الماضي وانخفاض الاستجابة بنسبة 47% عن العام السابق.

برنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة حذر منتصف آذار الماضي من أن قرابة 12.1 مليون سوري يعانون من انعدام الأمن الغذائي، وأن 3 ملايين آخرين معرضون لخطر الانزلاق إلى الجوع. وأضاف أن متوسط الأجر الشهري في سوريا يغطي حالياً ما يقرب من ربع الاحتياجات الغذائية للأسرة.

وتحفز ندرة الأطباق والمشروبات الرمضانية على الأجواء التي اعتادها السوريون في الشهر الفضيل، ف"ما معنى رمضان دون المعروك والتمرهندي والعرقسوس؟" تتساءل أم شفيق التي تكتفي بالشراب المصنع وما يتسنى لها تحضيره من حلويات منزلية رخيصة. فيما تشتكي نجوى من خلو المائدة من الأكلات الحلبية الشهيرة التي كانت تدخل البهجة إلى القلوب ف"الكبة اللبنية تكلف بقرة جحا". كلام السيدتين يطابق تماماً حالة أم علي التي تعتبر رمضان الحالي "أقسى الرمضانات. وبإذن الله آخر الرمضانات القاسية".